“التسرب من التعليم”، ظاهرة لها أسباب اختيارية وأخرى قهرية، ونتائجها السلبية تضرب في أساسات البناء الاجتماعي والاقتصادي للدولة، وتلقي بظلالها المباشر على أزمات خطيرة أخرى، مثل: انتشار الأمية والجهل، وضعف الاقتصاد المحلي.
ورغم ظهور تحركات رسمية ومجتمعية لمواجهة الظاهرة، فإنها لم تحرز تقدما ملحوظا، آخرها في 11 من سبتمبر الجاري، إذ طالبت لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، بضرورة تفعيل العقوبات المقررة في القوانين القائمة بشأن جرائم التسرب من التعليم، وقضية الزواج المبكر، وما يترتب عليهما من أضرار.
وقال سامي المشد، أمين سر لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب: “إن انتشار مشكلة التسرّب من التعليم، وكذلك الزواج المبكر، خصوصا في الأرياف، يؤثّر بالسلب على قضية الزيادة السكانية”.
التسرب من التعليم
تفعيل العقوبات التي طالبت به “صحة البرلمان” نُودي به من قبل، وجرى الرد عليه، ففي أول يوليو 2018، قال محمد أبو حامد، عضو لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب: “إن وضع غرامات أو حبس لولي أمر الطلاب لن يؤدي لنتائج إيجابية، خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية للعديد من الأسر المصرية”.
وأضاف النائب: “أن هناك بعض الأسر تعتبر الأولاد مصدر دخل لها، لذلك يدفعوهم للعمل في سن الطفولة”، متابعا: “نحتاج إلى مقاومة التسرب من التعليم، لكن لن نستطيع إلا عندما نواجه الأسباب التي أدت لذلك، ومنها الفقر“.
وفي إشارة لأحد الأسباب والحلول في الوقت نفسه، قال جمال شيحة، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي: “إن ظاهرة التسرب من التعليم ما قبل الجامعي قضية مركبة”، وإنه: “لن يكون هناك تسرب من التعليم عندما يكون هناك مدرسة جاذبة للطلاب وتعليم جيد“.
وبحسب إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عن تعداد مصر 2017، فإن عدد المتسربين من التعليم من إجمالي سكان مصر، خصوصا مَن هم في الفئة العمرية من 6 إلى 20 سنة، بلغ 1.122 مليون طالب.
ورصدت إحصائية الجهاز المركزي أن هناك نحو 321.8 ألف طالب متسرب من المرحلة الابتدائية، و451.6 متسربا من المرحلة الإعدادية، وفي المرحلة الثانوية، بنحو 349 ألف متسرب.
وكشفت الإحصائية عن أن أكثر من 100 ألف طالب تسربوا من التعليم لأسباب تتعلق إما بالزواج أو العمل أو الإعاقة، وإجمالي المتسربين بسبب الزواج أقل من 20 سنة بلغ 71 ألفا و83 طالبا، مقابل 26.082 ألف شخص بسبب العمل، و8.497 آلاف شخص بسبب الإعاقة.
ووفقا للإحصائية، فقد بلغت نسبة المتسربين من التعليم 7.3% من إجمالي عدد سكان مصر، بدءا من عمر أربع سنوات فأكثر، ويعود ذلك لأسباب، مرتبة على النحو التالي:
- عدم رغبة الفرد في التعليم بنسبة 37.2%.
- عدم رغبة الأسرة في التعليم بنسبة 18.9%.
- الفقر بنسبة 17.8%.
- تكرار الرسوب بنسبة 9.2%.
- الزواج بنسبة 6.3%.
- صعوبة الوصول للمدرسة بنسبة 5.2%.
- العمل بنسبة 2.3%.
- وفاة أحد الوالدين بنسبة 1.5%.
- الإعاقة بنسبة 0.8%.
- انفصال الوالدين بنسبة 0.6%.
طلب إحاطة
وفي طلب إحاطته الموجّه لرئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، ووزير التعليم، طارق شوقي، قال محمد فؤاد، عضو مجلس النواب عن دائرة العمرانية: “إنه وفقا لبیانات الجھاز المركزي تبين لنا انتشار خطیر للتسرب التعلیمي بین الطلبة من سن الحضانة وحتى الثانویة العامة”.
وأشار النائب، في 27 من نوفمبر الماضي، إلى وجود 6.1 ملایين متسرب، بنسبة تعادل تقریبا 27% من عدد الطلاب البالغ 22.5 ملیون طالب، أي: 30% من عدد سكان مصر تقریبا.
وكشف النائب عن أن 22.6 ملیون نسمة لم یلتحقوا بالتعلیم بالأساس، وھي نسبة تعادل 26.8% من إجمالي عدد السكان في سن التعليم بشكل عام، موضحا أن الظاھرة مخیفة، وتؤثر على مستقبل الدولة والأجیال القادمة.
وفي سياق يكشف سببا من أسباب التسرب من التعليم، تقدم النائب أيضا بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، بشأن ارتفاع التنمر، وذكر فيه إحصائية منظمة اليونيسيف بأن 70% من أطفال مصر تعرضوا للتنمر من قِبَل زملائهم في المدارس والبيئة المحيطة، مقارنة بنسبة 40% كنسبة للتنمر ضد الأطفال بأوروبا.
وأضاف: “تلك الظاهرة يعاني منها أكثر من 50% من أطفال العالم، يغذيها قلة الوعي لدى الأطفال مع ضعف التربية، وينتج عنها ظواهر أخرى، مثل: التسرب من التعليم، وضعف التحصيل الدراسي، وصعوبات في التكيف الاجتماعي، والعنصرية، والانتحار بين المراهقين”.
حلول للأزمة
وفي تحرك رسمي نحو إيجاد حلول، قال مجدي عبد الغني، رئيس الإدارة المركزية لمنع التسرب بوزارة التربية والتعليم: “إنه جرى استحداث أربعة أنواع من المدارس؛ لإيصال التعليم إلى 7% من أطفال الابتدائية بمصر، إذ أوضح وصوله إلى 93% منهم فقط”.
وأضاف، خلال كلمته بمؤتمر “مبادرات ناجحة وتطبيقات مبتكرة في مجال التعليم”، في 9 أبريل الماضي: “أن هذه المدارس هي: مدارس الفصل الواحد، مدارس المجتمع، مدارس مبادرة صديقة الفتيات، ومدارس صديقة أطفال في ظروف صعبة المعنية بأطفال الشوارع”.
وأعلنت وزارة التضامن الاجتماعي وبنك ناصر الاجتماعي، في 8 من سبتمبر الجاري، استمرار البنك في تقديم برنامج تمويل سداد المصروفات المدرسية بهدف مساعدة أولياء الأمور في مقابلة أعباء المصروفات الدراسية.
يأتي ذلك، في الوقت الذي يلوّح فيه طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، بإلغاء مجانية التعليم، إذ قال في اجتماع لجنة المشروعات بالبرلمان، في 10 من نوفمبر الماضي: “مجانية التعليم مينفعش تتساب دون نقاش.. لو فضلنا عايشين بدا نبقى بنضحك على نفسنا.. مفيش مجانية، والدولة والأهالي بيدفعوا الفاتورة 200 مليار جنيه”.
من خلال التصريحات السابقة، يظهر أن ظاهرة “التسرب من التعليم” مركبة من أزمات أخرى، تتركز أغلبها في: الفقر، وعمالة الأطفال، الطلاق، والإعاقة، والتنمر، والمدارس غير الجاذبة، وارتفاع المصروفات الدراسية، ما يعني أن حلها مرهون بحل هذه الأزمات.
أضف تعليق