كتبت – هدى التوابتي
غلاء غير مسبوق يشهده الشارع المصري، يرافقه أزمة اقتصادية واسعة كان أبرز قرارات الحكومة لمواجهة تلك الأزمات، هو قرارات متتالية لرفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم في مصر والغلاء، والتي بلغ عددها ستة قرارات خلال أقل من عام ونصف آخرها كان قرار الـ3 من أغسطس الماضي فيما أصبحت نسبة الفائدة التي تم فرضها خلال تلك المدة القصيرة 11% ، فماذا يعني قرار رفع سعر الفائدة، وما المقصود بالتضخم وكيف نلتمس آثار ذلك في حياتنا اليومية؟
سعر الفائدة لمواجهة التضخم في مصر
يرتبط مصطلح سعر الفائدة على الأغلب في عقولنا بالاقتراض من البنوك، وما يتم دفعه من “تأمين” أو تكلفة على هذا الاقتراض، وهو أمر صحيح بنسبة كبيرة فمثلا لو اقترضت ألف جنيه من البنك يصبح سعر الفائدة هو ما ستعيده للبنك من أموال زائدة على الألف جنيه الأساسية، من نسبة ند قد تصل ل1 أو 2 أو حتى 10% من المبلغ الذي اقترضته، وفقاً لما تحدده المؤسسات المالية في البلاد، وتلك الفائدة لا ترتبط بالمقترض والبنك الذي أقرضه فحسب، ولكن يمتد أثره لحياتنا اليومية بشكل مباشر.
وتتركز علاقة هذا القرار بحياتنا اليومية في كونها أداة البنوك المركزية لضبط الاستهلاك في البلاد فالبنك المركزي في محاولة منه لمواجهة زيادة أسعار “السلع والخدمات” يجعل سعر الأموال غالباً “يرفع نسبة الفائدة”، بهدف تراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال، وبالتالي قل الإنفاق والطلب على الاستهلاك، ما يعني انخفاض التضخم في مصر، بالطبع في المقابل يتجه أصحاب الأموال لإيداع أموالهم لدى الدولة، وتكون النتيجة المستهدفة لهذا القرار تراجع الإنفاق الاستهلاكي وانتعاش الاقتصاد فيخرج من الركود، وبالطبع يوجد عوامل أخرى تأخذها البنوك المركزية في الحسبان إلا أن التضخم والركود أهمها على الإطلاق.
ماذا يعني التضخم في مصر؟
قبل الحديث عن أثر تلك السياسة على التضخم في مصر سنشرح بشكل مبسط المقصود بـ” التضخم في مصر” وفقاً للبنك المركزي المصري الذي ينشر بيانات شهرية وسنوية ينقل فيها نسبة التضخم الأساسي والتضخم العام، فما المقصود بهذين المصطلحين؟
أولاً التضخم العام:
البنك المركزي المصري يحدد نسبة التضخم العام من خلال قياس التغيير في أسعار سلة سلع تحتوي على حوالي 1000 سلعة وخدمة مثل “الخضروات واللحوم والحبوب والفواكه والكهرباء…” وارتفاع نسبة التضخم فيها يعني نسبة زيادة أسعارها والعكس الانخفاض في النسبة يعني انخفاض في الأسعار.
ثانياً: التضخم الأساسي:
يقيس البنك المركزي من خلال التضخم الأساسي التغير في أسعار السلع ولكن بعد استبعاد نوعين من السلع والخدمات، الأولى الخدمات والسلع التي تحدد أسعارها إداراياً أي من قبل الحكومة مثل الكهرباء والمياه والبنزين، والسلع شديدة التقلب في أسعارها وتحديداً في بندي الخضروات والفاكهة.
ولأن المقياسين متقاربين ويعتبر أحدهما جزء من الآخر فنجد النسب متقاربة جداً.
هل تفلح سياسة رفع الفائدة في مواجهة التضخم في مصر؟
على الرغم من أن البنك المركزي المصري اتخذ قراره السادس برفع الفائدة خلال عام ونصف فحسب، إلا أن الأرقام والبيانات تكشف أن تلك السياسة لم تكن ناجحة، لنفس الأرقام التي نشرها البنك المركزي عن نسبة التضخم السنوي العام خلال أشهر إبريل ومايو ويونيو خلال العامين الماضيين “2022- 2023″ تكشف كيف ازداد التضخم في مصر بوتيرة غير مسبوقة ففي إبريل 2022 سجل التضخم العام 13.1% وفي أبريل 2023 بلغ معدل التضخم في مصر”السنوي العام” 30.6%.
وفي مايو 2022 بلغت نسبة التضخم العام 13.5% فيما سجل التضخم العام في مايو 2023 30.6% في زيادة تتخطى نسبة الـ15%، وفي يونيو 2022 سجلت نسبة التضخم العام تراجعاً طفيفاً عن مايو 2022 حيث بلغت نسبته 13.2% فيما سجل التضخم العام في يونيو 2023 نسبة 35.7 %، وتكشف النسب التي سجلتها مصر للتضخم في عام 2023 ارتفاع في وتيرته ربما لم تسجلها مصر في تاريخها من قبل وفقاً لخبراء اقتصاديين، ورغم اتباعها بقوة لسياسة رفع أسعار الفائدة والتي وصلت نسبة رفعها على مدار عام ونصف لنحو 11%.
تلك الأرقام تكشف بشكل واضح أن 6 قرارات برفع الفائدة أربعة منها تم اتخاذها خلال 2022، لم تمنع الزيادة الغير مسبوقة في التضخم في مصر، ولم توقف جنون الأسعار وانخفاض قيمة العملة في مصر، وهو ما يعني أنه من الصعب أن يقوم بحل تلك الأزمة الآن بل يتوقع أن يزيدها سوءاً.
هل قرار رفع الفائدة يضر بالاقتصاد؟
للقصة دائماً أكثر من وجه، فهي ليست أبيض أو أسود، وإلقاء أزمات مصر الاقتصادية على سعر الفائدة بالتأكيد أمر غير صحيح تماماً، ففي جانب من جوانب القصة مصر تعتمد خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير جداً على الديون، وبالتالي فإن ارتفاع سعر الفائدة من المفترض أن يجذب الاستثمارات والمقرضين من الخارج، ويساعد في الحفاظ على قيمة العملة وتوفير تمويل لعجز الميزان التجاري (الصادرات – الواردات)، وعجز الميزانية الحكومية أيضاً.
وللقصة أيضاً جوانب سلبية كثيرة، أبرزها أن رفع سعر الفائدة من أبرز مسببات إبطاء معدلات النمو الاقتصادي وتراجع وتيرة الاستثمار، وتأثر القطاعات الإنتاجية وسوق العمل ففي النهاية صاحب رأس المال يمكنه الحصول على مكسبه من إيداع أمواله بالبنوك دون مشاريع وإنتاج.
وتتسبب أيضاً في رفع تكاليف الإنتاج ويصبح انعكاسها على الأسعار والتضخم في مصر سلبياً وليس إيجابياً خاصة إذا كان اعتماد الدولة عليها فحسب كما يحدث في مصر، فالإيداع واجتذاب المقرضين هنا أثرهم مؤقت بل وينعكس أيضاً على الخدمات التي تقدمها الدولة وترفع أسعارها في مقابل أزمات أبرزها على سبيل المثال ارتفاع البطالة لتوقف الإنتاج.
لا يمكن حصر مشكلات الاقتصاد المصري في سعر الفائدة، وإن كانت إحدى مظاهره، ولا يمكن اعتباره الحل الرئيسي لها وخاصة أزمة التضخم في مصر، ولكن في هذا التقرير نحاول فحسب فهم معنى القرار وأثره.
المصادر:
- https://cutt.ly/NwdHr4Vb
- https://cutt.ly/RwdHtF96
- https://cutt.ly/8wdHt5aM
أضف تعليق