فتحت أزمة تبديل الجثث لاثنتين من الأفارقة بمصلحة الطب الشرعي عن طريق الخطأ، ملف مشاكل وأزمات الطب الشرعي من جديد، الذي يواجه منذ سنوات اتهامات بالتزوير، ومخالفات وأخطاء عدة.
كما يعاني الطب الشرعي في مصر من العديد من المشكلات الأخرى، أبرزها ضعف الموارد والإمكانيات، وقلة خبرات الأطباء التي تؤدي إلى ظهور تضارب في التقارير.
واقعة تبديل الجثث
أزمة بدأت منذ يومين في مصلحة الطب الشرعي عقب قيام العاملين بمشرحة زينهم، بتسليم جثة فتاة إريترية منتحرة تبلغ من العمر 18 عاما إلى أسرة ليبية توفيت نجلتهم أثناء إجراء عملية شفط دهون في مستشفى خاص بمدينة نصر.
وكشفت التحقيقات، أنه أثناء ذهاب “محسن نصر” حانوتي سفارة إريتيريا بالقاهرة، تبين أن الجثة جرى تسليمها إلى “محمد العريف” حانوتي سفارة ليبيا عن طريق الخطأ، وجرى سفرها إلى دولة ليبيا.
وأثارت الواقعة ضجة كبيرة، خاصة مع تحفظ السلطات الليبية على جثمان الفتاة الإريترية لحين تسليم الفتاة الليبية، كما تداولت أنباء عن الإطاحة بالدكتورة سعاد عبد الغفار من منصبها، كرئيس لمصلحة الطب الشرعي وكبير الأطباء الشرعيين، وهو ما نفته عبد الغفار لاحقا.
وأوضحت في تصريحات صحفية، أن الفترة القانونية لرئاسة المصلحة انتهت الأربعاء الماضي، وذلك بعد أن صدر قرار لها من وزير العدل ورئاسة الجمهورية في 17 يناير الماضي بمد فترة العمل، بعد بلوغها سن المعاش القانوني لمدة ستة أشهر أخرى.
ولفتت سعاد إلي أن ما حدث من خطأ بتبديل جثتين لفتاتين إحداهما ليبية والأخرى إريترية، جرى من خلال أحد عمال المشرحة وهو غير مقصود، مشيرة إلى أنها فور علمها اتخذت الإجراءات اللازمة لتصحيح ذلك.
ليست الواقعة الأولى
ويمتلئ ملف الطب الشرعي بالأخطاء، خاصة منذ اندلاع ثورة يناير وحتى الآن، إذ عملت المصلحة في ظروف استثنائية بسبب اتهامات بعدم الحياد والانحياز، بسبب التقارير الصادرة عن المصلحة بخصوص شهداء يناير وما سبقها وتبعها من أحداث، أبرزها تقرير وفاة خالد سعيد، وشيماء الصباغ.
وفي عام 2015، أثار تقرير مصلحة الطب الشرعي بخصوص “طالبة صفر الثانوية العامة” مريم ملاك، الذي أكد أنَّ خط مريم الموجود في كراسات الإجابة الخاصة بها، هو نفس خطها، وأنَّه لا يوجد تزوير أو تبديل لكراسات الإجابة الخاصة بالطالبة، رغم إثبات خبير الخطوط أن الخط غير مطابق لخط الطالبة بنسبة 90%.
وفي يناير الماضي، أصدر خالد عبد الوهاب، مساعد وزير العدل للطب الشرعي والخبراء، قرارا بنقل ثلاثة من فنيي تشريح مشرحة زينهم، وذلك عقب استخراج جثة مجهولة من المقابر بعد ستة أشهر من دفنها دون علم النيابة، بحجة كتابة تقرير واستيفاء أوراق.
مشاكل الطب الشرعي
وبخلاف أزمة تبديل الجثث حديثا، يعاني الطب الشرعي في مصر من مشاكل عدة، أبرزها تأخر التقارير الطبية والتضارب بين الأطباء في إصدار التقرير الواحد وقلة عدد الخبراء الشرعيين.
وأرجع كمال السعدني، رئيس قسم التشريح السابق بالمصلحة، السبب في تأخر تشريح جثامين الضحايا إلى قلة عدد الخبراء الشرعيين العاملين في مجال التشريح، إذ لا يوجد سوى 15 طبيبا يعملون في المشرحة على مستوى القاهرة الكبرى، من ضمن 115 طبيبا شرعيا ميدانيا بالمصلحة، يعملون على تجميع العينات والتعامل مع ما يصل إلى 190 ألف قضية سنويا على مستوى الجمهورية، بينما يعمل بقية الأطباء الشرعيين في أقسام المصلحة الأخرى سواء المعامل الكيميائية وغيرها.
وحول تضارب التقارير، يرى السعدني أنه أمر طبيعي ومسموح به، لأنه يعتمد على وجهة النظر التي يتبناها الطبيب الشرعي وفقا للمعطيات والأدلة الجنائية التي يمتلكها على أرض الواقع.
وقال: إنه كلما توافرت له أدلة جديدة يمكن أن يخرج تقرير جديد مختلف، مضيفا أن القانون يتيح للمتضرر التظلم والمطالبة بتشكيل لجنه ثلاثية من أعضاء أكثر خبرة تعيد النظر في القضية.
قلة عدد الأطباء
وفي تصريح لأيمن فودة، كبير الأطباء الشرعيين الأسبق، لفت إلى أنه لا يوجد في مصر سوى مختبر مركزي واحد في القاهرة، وأحيانا يتطلب الأمر تشريح 100 جثة في اليوم، ما يعني أن كل طبيب يقوم بتشريح 494 حالة سنويا، وهو تسعة أضعاف المعدل العالمي.
وبين أن عدد الجثامين التي يجرى تشريحها داخل مشرحة زينهم من محافظة القاهرة يبلغ حوالي 4380 جثة، بينما ترد حوالى 32 ألف جثة سنويا من بقية المحافظات إلى المشرحة، وهي الوحيدة التابعة للطب الشرعي على مستوى الجمهورية.
وأشار “فودة” إلى أن خطورة التقرير وأهميته تكمن في توجهات الرأي العام وما تثيره الصحف والقنوات الفضائية حول القضية التي تأخذ أهميتها من الرأي العام، خاصة الاتجاهات السياسية.
ضعف الإمكانيات
كما يشكو الخبراء من اعتماد المصلحة على أجهزة بدائية تحتاج لدعم وإمكانيات حديثة، ولا يوجد بها سوى جهاز DNA واحد فقط على مستوى الجمهورية، وإذا حدثت أعطال يتم الانتظار لحين إصلاحه، وإمكانياته لا تواكب التطور الرهيب في تكنولوجيا المعلومات الحالية.
وأضافوا أن مصلحة التزوير والتزييف لابد لها من أجهزة علمية حديثة، لتقليص المدد الزمنية، كي نتخلص من جملة “تعذر الحصول على نتيجة”.
وقال مصدر مسئول بهيئة الطب الشرعي: إن معدات التشريح وأدواته كانت تصلح من عشرات السنين، وعندما يتعطل جهاز تتم صيانته بعد شهور لعدم وجود أموال كافية وسريعة للصيانة والروتين، فيؤدي ذلك إلى تعطيل القضايا شهورا وسنين.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن أفرع الأقاليم لا توجد بها أجهزة لفحص القضايا، ولكن يتم الفحص بطرق يدوية وقضايا الرأي العام ترسل للقاهرة، فكل أقسام الطب الشرعي تعاني غياب التجهيزات العلمية.
وأشار الخبير، إلى أنه جرى توزيع تعليمات على جميع الأفرع والإدارات بأقسام الطب الشرعي بعدم التصريح لأية وسائل إعلامية تتضمن الحديث عن تردي حال الطب الشرعي وأوضاعه.
أضف تعليق