مليارات تضيع على خزينة الدولة، ومليارات أخرى تُسرق منها، والنتيجة قصور في الخدمات الموجهة للمواطنين، وكل ذلك بسبب جرائم فساد، على رأسها إهدار المال العام أو الاعتداء عليه.
وتكشف التقارير الرقابية عن ترسخ ظاهرة إهدار المال العام أو الاعتداء عليه في قطاعات بعينها، مثل: وزارات التموين، والصحة، والتعليم، والأوقاف، والزراعة، والمالية، والإسكان، والعدل، وهي وزارات خدمية ذات صلة مباشرة بالجمهور.
وفي إحدى الصور التي تمثل حرمانا للمواطنين من ملايين الجنيهات، قال نائب السويس، طارق متولي، في 22 فبراير الماضي: “إن إغلاق وزارة التربية والتعليم للقرية الكونية بمنطقة حدائق أكتوبر بعد إنفاق نحو 355 مليون جنيه عليها وعلى مساحة 190 فدانا على طريق الفيوم – الواحات، يعد من إهدار المال العام”.
إهدار المال العام
وأضاف متولي: “أن إغلاق القرية جاء عقب غرق شخص في إحدى بحيرات القرية، أثناء التنزه مع أسرته”، مضيفا: “بدلا من اتخاذ قرار بتوفير عوامل الأمان داخل القرية، مثل: الغطاسين، وسيارات الإسعاف السريع، وتوفير عربات الإسعاف اللازمة، اتخذ مسئولو الوزارة الحل الأسهل، وهو إغلاق القرية التي لم تحقق أي مكاسب مادية من قبل، نتيجة لعدم علم أحد بها”.
وتعدّ القرية الكونية أو كما يسميها البعض “مصر المصغرة”، تابعة لوزارة التربية والتعليم، وهي قرية نموذجية علمية ترفيهية وسياحية، عبارة عن مجسم مصغر لكل المعالم الموجودة في الحقيقة، وجرى تصغيرها بنسبة 8 إلى 1، وتشمل أهم المعالم الأثرية في مصر، مثل: قلعة قايتباي، وقلعة صلاح الدين الأيوبي، والأهرامات، وأبو الهول.
وبخلاف قضايا الاستيلاء على المال العام أو إهداره في شركات وقطاعات لا تمسّ المواطن البسيط بشكل مباشر، نورد آخر الأخبار والقضايا التي انتقصت من حقوق هؤلاء البسطاء خلال الأسابيع الماضية، وأبرزها:
- 29 فبراير: ضبط المدير المسئول عن مخبز بلدي بدائرة قسم شرطة المطرية في محافظة القاهرة، لتلاعبه واختراقه نظام تشغيل منظومة الخبز، وتصرفه في الدقيق البلدي ببيعه في السوق السوداء، واستيلائه على 1.140.333 مليون جنيها.
- 27 فبراير: قاضي المعارضات بمحكمة جنح دار السلام يقرر تجديد حبس صاحب مخبز 15 يوما على ذمة التحقيق، لاستيلائه على أربعة ملايين جنيه من أموال الدعم في دار السلام.
- 27 فبراير: ضبط 45 قضية بنطاق محافظات “القاهرة، الشرقية، البحيرة، الغربية”، ضد أصحاب المخابز البلدية، لتلاعبهم واختراقهم أنظمة التشغيل لمنظومة الخبز بإثبات عمليات صرف خبز وهمية بصفة يومية، وتصرفهم في الدقيق البلدي ببيعها في السوق السوداء، بنحو 2.797.049 مليون جنيه.
- 25 فبراير: ضبط مالك مخبز بلدي بدائرة قسم شرطة البساتين في محافظة القاهرة، لتصرفه في الدقيق البلدي المدعم ببيعها في السوق السوداء، واستيلائه على 722.543 ألف جنيه، مقابل إنتاج وتصنيع الخبز دون إنتاجه فعليا دون وجه حق.
بنزين وأغطية صرف
وفي 25 فبراير الماضي، ضبطت وزارة الداخلية المدير المسئول عن إدارة محطة لتموين السيارات بدائرة قسم شرطة العبور في محافظة القليوبية، لتجميعه وتصرفه في 75.400 لتر سولار وبنزين “80 – 92” للاتجار بها في السوق السوداء بنحو 509.325 ألف جنيه.
وتقدّم النائب رائف تمراز، عضو لجنة الزراعة، في الثامن من فبراير الماضي، بطلب إحاطة بشأن إهدار المال العام في تغطية المراوي بمركز الحسينية محافظة الشرقية، بسبب عدم مطابقة المواصفات الفنية، وطرحها بالأمر المباشر.
وطالب البرلماني بحصر الترع والمصارف المراد تغطيتها، وعمل حملات تفتيش على ما جرى تغطيته، للوقوف على الالتزام بالمواصفات الفنية من عدمه، والشروع في تغطية ما تبقى منها، خصوصا أنها تمثل خطورة على المواطنين، لوجوده بعضها وسط كتلة سكنية، حتى أصبحت مقلبا للقمامة في بعض المناطق، ما يجعلها مصدرا للأمراض والأوبئة.
وفي إشارة لحجم أمثال هذه الجرائم، وافقت لجنة البت في طلبات التصالح بجرائم العدوان على المال العام، 25 يناير الماضي، على 20 طلبا للتصالح في جرائم الاعتداء على المال العام المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، بقيمة 50 مليون جنيه.
وحذر العديد من الخبراء والقانونيين من استمرار جرائم إهدار المال العام، خصوصا في قطاعات يتسبب من ورائها هلاك، كعيوب في تنفيذ مشروعات البنية التحتيّة العملاقة مثل: الطرق، والجسور، والأنفاق، والبنية التحتية، ثم إعادة إصلاح تلك العيوب بما يُكلّف خزانة الدولة مليارات الجنيهات.
وقال الخبراء، في تصريحات صحفية: “إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء جرائم المال العام، هي: سوء التخطيط، وعدم مواكبة التشريعات المتغيرات الاقتصادية، والازدواجية والتداخل في اختصاصات الجهات التنفيذية”.
مدونة السلوك الوظيفي
ونحو نشرها التوعية اللازمة لمواجهة هذه الأخلاق الفاسدة، أطلقت وزارة التخطيط والمتابعة، بالتعاون مع المعهد القومي للإدارة، مدونة السلوك الوظيفي، في 15 ديسمبر الماضي، التي تضمنت عددا من التعهدات التي يلتزم بها الموظف العام لضمان منع إهدار المال العام، أبرزها الآتي:
- الموظف مسئول عن جميع الممتلكات والموارد الحكومية التي تُصرف له أو تكون بحوزته أو تحت سيطرته، ويُمنع الموظف من استخدامها لأغراض شخصية.
- تجنّب الإهمال أو التقصير الذي يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو للمواطنين.
- ترشيد استخدام الكهرباء والمياه وجميع أجهزة وأدوات جهة العمل، وضرورة الإبلاغ عن أية أعطال أو فقد لها.
- الحرص على وقت العمل كمورد هام للجهة، واستغلاله بما يضمن إنجاز المهام بكفاءة وفعالية.
وتختلف عقوبة جريمة إهدار المال العام عن جريمة التربح والاستيلاء أو تسهيل الاستيلاء عليه عن جريمة الإضرار به، وذلك بحسب قانون العقوبات، وتتراوح عقوبة إهداره بين الغرامة التي لا تزيد عن ألف جنيه، ويصل الحبس إلى ست سنوات، بينما يصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا ارتُكبت الجريمة في زمن حرب.
أضف تعليق