“حرب بقاء” يخوضها قطاع منتجات الحرف اليدوية الذي يجسد هوية مصر التراثية والاجتماعية، هكذا وصَف مسعد عمران، رئيس غرفة صناعة الحرف اليدوية التابعة لاتحاد الصناعات المصرية، حال ذلك القطاع الهام، في إشارة موجزة إلى ما يعانيه من مشكلات وإهمال وتهميش لا يتناسب مع دوره وما يمثله في الاقتصاد القومي.
وتمثل الصناعات التراثية والحرف اليدوية قيمة مضافة للاقتصاد القومي، إذ تعتمد بشكل كبير على الخامات المحلية والإبداع البشري، وتحافظ على التراث المصري الحضاري من الحرف التقليدية، كما أنها تعتمد على مهارة اليد وليس الآلات الحديثة، لذلك تعتبر من الصناعات كثيفة العمالة، وتساهم بشكل كبير في خفض معدلات البطالة ودفع عجلة الإنتاج.
الحرف اليدوية
ومن جهته، قال عمران في حديث صحفي: إن قطاع الحرف اليدوية يواجه عشرات المشكلات، منها ارتفاع أسعار الخامات، وتكلفة إنتاج المصانع، وغياب التمويل.
ويقسم عمران الحرف اليدوية إلى قطاعين: غير الرسمي ويستحوذ على نحو 97% من إجمالي القطاع بمصر، وقطاع رسمي يمثل الـ3% المتبقية، وذلك وفقا لبيانات رسمية تقدم بها القطاع ضمن خطة وإستراتيجية تنميته وتطويره لوزارة الصناعة باعتباره مشروعا قوميا.
ويضيف أن غرفة صناعة الحرف اليدوية تسعى لإحياء هذا القطاع من خلال حصر أصناف الصناعة، بدمج القطاعات غير الرسمية بالقطاعات الرسمية.
فيما قالت رانيا عوف، رئيس شعبة الحرف التراثية والمشربية: إن الحرف اليدوية المصرية لها مكانة مهمة بين الصناعات الأخرى، فهى حرف ذات مردود ثقافي واقتصادي متوارث، يعكس ثقافة وتاريخ الشعب المصري، ويمثل ثروة له، هذه الثروة تمثل عامل جذب للسياح، لافتة إلى أن عدم الاهتمام بتسويق المنتج اليدوي من أسباب تراجعها.
تراث مهدد بالاندثار
وبحسب رئيس شعبة الحرف التراثية والمشربية، فإن السنوات الأخيرة شهدت اندثار العديد من الحرف اليدوية والصناعات التاريخية في مصر، التي تمثل تراثا اجتماعيا وجانبا من الهوية التاريخية، مثل الحدادة والحياكة والدهان، وصناعة الأحذية، والقباقيب، والنجارة العربية الأرابيسك، والصدف، بالإضافة لصناعة المقشات البلدية، والحبال والخيوط، والتنجيد، والمشغولات الذهبية والنحاسية، والرسوجية وحدوة الحصان وغيرها.
وتؤكد عوف أن أحد أهم عوامل اندثار تلك الحرف هو هجر أهلها لها، لضعف مردودها المادي، والاتجاه للعمل في مجالات “كالسواقة والتجارة”، الأمر الذي يهدد بانتهاء هذه الحرف.
والحديث عن أنواع الصناعات اليدوية قد يشمل العشرات والعشرات، نستعرض منها الأكثر تراجعا، ومنها صناعة الحوايا التي تعد من أبرز الصناعات اليدوية الحرفية والأكثر شهرة بالقرى والنجوع المنتشرة بصحراء محافظة مطروح، تصنعها البدويات من صوف الأغنام.
وتأتي صناعة الكليم والمصنوعات الصوفية الصغيرة، ضمن الصناعات المهددة بالاندثار، التي تعتمد على “صوف المارينو” وموطنها محافظة كفر الشيخ، إذ يتم استيراد الصوف من أستراليا.
ومن بين تلك الصناعات المهددة بالانقراض صناعة الأثاث اليدوي، ففي ظل إنشاء أول مدينة لصناعة الأثاث في مصر نجد أصحاب الورش والمصانع الصغيرة مهددين بالغياب عن خريطة صناعة الأثاث، خاصة أنهم يمثلون نحو 60% من حجم الصناعة، إذ يعانون العديد من الأزمات.
مهنة سباكة الألومونيوم أيضا إحدى هذه المهن غير القادرة على البقاء، وتضم منطقة الفراهدة بمحافظة الإسكندرية، العديد من الورشالتي تقلصت أعدادها وكادت أن تنقرض نظرا لقلة الأعمال المسندة إليها بعد سيطرة المصانع عليها.
وتعد صناعة الفخار أحد أجمل الصناعات اليدوية القديمة التي يعود تاريخها إلى عصور الفراعنة وتهدد بالاندثار، ويكشف عمران أن الغرفة تقوم بحصر عدد 157 ورشة من ورش الفخارين، التي أوشك القائمون عليها على الإغلاق بسبب المشاكل التي تمر بها الصناعة.
الخيامية أيضا، إحدى الصناعات اليدوية القادمة من العصر الفرعوني لكنها اشتهرت وازدهرت في العصر الإسلامي، ومؤخرا باتت غير قادرة على مواجهة المصانع المعتمدة على الآلات الحديثة.
أما صناعة الخوص من جريد النخل وقش الأرز التي تشتهر بها محافظة الفيوم فقد أصابها ما حل بباقي الصناعات اليدوية من ضرر، بالإضافة للتطريز السيناوي، أحد الحرف المنتشرة في منطقة بئر العبد، والتي تقوم على التصنيع اليدوي دون الاعتماد على الآلات، وكانت بمثابة سفير لمصر بالخارج قبل أن يهجرها معظم الصناع وتتراجع صادراتها.
مطالب وخطة تطوير
من جهته، أوضح جورجيوس حليم، رئيس شعبة تجارة الأخشاب بالغرفة التجارية أن زيادة الأسعار قد أثرت على الطبقة الحرفية بشكل عام، والتي تهدد من بقاء الصناعة، والغلاء قد أثر بالسلب على حركة البيع بهبوط حاد، ويشير إلى أعباء الضرائب والعمالة وارتفاع أسعار الكهرباء، منذ تعويم الجنيه كعوامل ذات صلة.
ويوجه حليم نداء للدولة بضرورة التدخل لحل مشكلات القطاع من خلال:
- الاستماع إلى مشاكل أصحاب تلك المهن.
- توثيق عملهم.
- توفر حماية تأمينية وصحية ومعاشات للعاملين.
- دعم الورش بأدوات الأمن الصناعي للحماية.
وفي السياق، قال عمران: إن غرفة الصناعات اليدوية تقدمت بخطة للنهوض بالقطاع قبل عام، ولم تتلق ردا، كاشفا أن أهم ملامحها يتمثل في الآتي:
- عدد من المحفزات لتشجيع الشركات على دخول القطاع الرسمي.
- تتضمن آليات لرفع كفاءة جودة المنتجات لزيادة قدرتها التنافسية في السوقين المحلية والخارجية.
- تقليل الواردات من المواد الخام وإحلال بديل محلي.
- تستهدف تصدير نحو 25% من حجم إنتاجنا سنويا مقارنة بـ10% يجرى تصديرها حاليا.
- رفع حجم الإنتاج بنحو من 20 إلى 25 مليار جنيه كل عام.
وأشار عمران إلى تدني حجم الصادرات عاما بعد عام بسبب رفع الدعم عن المعارض، “البرنامج الجديد أصبح يدعم الشركات بنسبة 50% فقط بدلا من 80% سابقا، طالبنا بتعديلها ولكن لم يتم الموافقة عليها”.
وسجلت صادرات الحرف اليدوية خلال الـ8 أشهر الأولى من العام الحالي نحو 131 مليون دولار بتراجع 8% خلال الفترة المماثلة من عام 2018، وفقا لعمران.
أضف تعليق