استجوابات برلمانية وتكهنات وتحليلات خاصة بأزمة سد النهضة، كلها وسائل للبحث ومحاولة إيجاد إجابة لسؤال بعيد عن حل الأزمة، وهو: مَن الذي سيسدّد فاتورة تعثّر المفاوضات، ووصولها لطريق مسدود؟ وما إذا كانت ستطيح بوزيريْ الخارجية والري أم لا.
يأتي ذلك بعد استجوابات برلمانية قدمها عدد من النواب ضد وزيريْ الخارجية والري، كونهما على رأس أهم الحقائب الوزارية المسئولة عن الملف.
إذ اختار البرلمان ملف مفاوضات سد النهضة، ليكون أولى القضايا الجماهيرية التي يسعى فيها المجلس لممارسة دوره الرقابي والمحاسبي بعد ساعات من توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للبرلمان، بممارسة دوره الرقابي، ومسائلة ومحاسبة الحكومة في القضايا القومية والجماهيرية.
استجوابات برلمانية
فمن جهته، تقدّم فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة، بأول استجواب ضد وزير الري، اتهمه فيه “بالتنصل من تحمل مسئولية ما يحدث بشأن نقص المياه، تاركا رئيس الجمهورية يواجه الأزمة منفردا، بينما صرّح هو بأن نقص المياه التي ستضرب البلاد لا يعني وزارة الري، ويمتنع عن الإدلاء بأي تصريحات تهربا من المسئولية” وفقا لعامر.
وقال النائب: “إن وزير الري كان يعلم علم اليقين أن المصيبة التي ستحل بنا بشأن نقص المياه آتية لا محالة، ورغم وجوده على رأس الوزارة منذ أكثر من ثلاث سنوات لم يبدأ في أية حلول عملية، سوى الادعاء بما يُسمى الخطة القومية، وهي خطة وهمية أسند إعدادها لمكاتب استشارية، بتكلفة تتجاوز 50 مليون جنيه، ممولة من منح وقروض برعاية قطاع التخطيط”.
وأكد عامر أنه سيتقدم بجميع الأدلة والمستندات للبرلمان، تمهيدا لسحب الثقة من وزير الري، مشيدا بحديث الرئيس السيسي، بشأن ضرورة أن تتصدي لجان البرلمان لأي تقصير تراه، وتشكل لجان لتقصّي الحقائق، وتوجه استجوابات برلمانية لو رأت ذلك دون أن تشعر الحكومة بحساسية من الانتقادات.
وفي سياق تقديم استجوابات برلمانية لمحاسبة الوزراء، كان النائب أحمد البرديسي قد تقدم باستجواب قبل أيام إلى وزيريْ الخارجية والموارد المائية عن تداعيات سد النهضة الإثيوبي، ومَن الذي تراخى في التعامل مع الدولة الإثيوبية حتى قامت ببناء ذلك السد الذي جعلنا نلجأ إلى مياه الصرف الصحي، في حين أن الموقف الحازم للإدارات المصرية السابقة حال دون قيام إثيوبيا ذلك.
وتناول استجواب البرديسي تطورات مفاوضات سد النهضة والجولات الثلاثة التي سارت في هذا الاتجاه، وتساءل لماذ انصبت المفاوضات على النواحي الفنية، ولماذا لم تتمسك مصر بتطبيق الآليات القانونية لوقف أعمال بناء السد، ولماذا لم تتخذ الإجراءات القانونية المتاحة لحل أزمة سد النهضة.
مسائلة سابقة
وقبل الإعلان عن وصول مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود، لم يكن تعثرها بالأمر الخفي أو الغائب عن البرلمان، بل كان حاضرا في جلساته قبل قرابة عامين من الآن، ومع هذا لم يتخطَّ مرحلة المناقشات، ولم يصل إلى استجوابات برلمانية.
ففي يناير 2018، ناقشت الجلسة العامة اليوم 76 طلب إحاطة، و4 طلبات مناقشة، و13 سؤالا لوزير الري عن نقص مياه الري، ما أدى إلى بوار بعض الأراضي الزراعية، وعدم اتباع وسائل الري الحديثة، وري بعض الأراضي بمياه الصرف الصحي، وحول سياسة الحكومة بشأن توفير مياه الري اللازمة للزراعة.
ومن جهته، علق محمد عبد العاطي، وزير الرى والموارد المائية بقوله: “إن مصر بحاجة إلى أكثر من 114 مليار متر مكعب مياه لتحقيق الاكتفاء المائي، بينما المتاح حاليا 60 مليار متر مكعب فقط، منها 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، والباقي من المياه الجوفية والمطر، بالتالي فإن العجز يصل إلى 54 مليار متر مكعب”.
وقال وزير الموارد المائية والري: “أنا مش مطمن.. يبقى الناس متطمنش”، مشددا على ضرورة الحفاظ على كل نقطة مياه وترشيد الاستهلاك”.
تصريحات صادمة
ولكن يبدو أن وصول المفاوضات إلى طريق مسدود وإعلان وزراء الحقائب المسئولة عن ذلك بشكل رسمي وصادم، إضافة إلى ما أطلقه وزير الخارجية الإثيوبي من تصريحات، وُصفت بالهجومية والتصعيدية ضد مصر، قد يصبّ في اتجاه تبنّي البرلمان مسألة البحث عن المسئول، ومحاسبته من خلال استجوابات برلمانية كأحد أدواته.
ومن جهته، أعلن محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، أن مفاوضات سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود، نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي، ورفضه جميع الأطروحات التي تراعي مصالح مصر المائية، وتتجنب إحداث ضرر جسيم للبلاد.
وقال محمد عبد العاطي، وزير الري: “إن سد النهضة الإثيوبي قد يخفّض حصة مصر من المياه، ما يهدد ببوار 200 ألف فدان، وحدوث مشكلات لما يوازي مليون أسرة تقريبا”.
أما سامح شكري، وزير الخارجية، فقد وصف تعثر مفاوضات سد النهضة وعدم تناول القضايا الفنية، في ظل وجود وزراء ري الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) بأنه أمر يثير الاستغراب.
وعلق الرئيس السيسي على إعلان وزارة الري وصول مفاوضات سد النهضة، قائلا: “تابعت عن كثب نتائج الاجتماع الثلاثي لوزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا، لمناقشة ملف سد النهضة الإثيوبي، الذي لم ينتج عنه أي تطور إيجابي”.
وقبل شهر، شهد مجلس النواب، خلال انطلاق دور الانعقاد الخامس، أحاديث عن توقعات بإجراء تعديل وزاري كبير لم يحدث من قبل في حكومة مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء.
وجرى تداول أنباء عن تغيير سبعة وزراء من حكومة مدبولي، بسبب فشل هؤلاء الوزراء في ملفاتهم المهمة، التي كانوا يديرونها، من بينهم وزيرا الخارجية والري، فهل يصبح تقديم استجوابات برلمانية ضمن الآليات؟
أضف تعليق