صرخات إنسانية، وتحركات برلمانية، ودعوات لتشريعات جديدة، ومطالبات بإعدام المتهمين.. كل هذا تردد صداه بعد وفاة الطفلة جنة على خلفية تعذيب جدتها واغتصاب خالها لها، القصة التي تحكي مشهدا من مشاهد انعدام الرحمة في قلوب بعض البشر.
فبعد يوم من وفاتها، أعلن علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أنه سيقدم مشروع قانون لإدخال تعديلات على قانوني “الحضانة” و”الطفل”، تتضمن إلغاء لفظ “حق التأديب الشرعي” الواردة في الفقرة “7 مكرر أ” من قانون الطفل رقم 12 لعام 1996، باعتبارها بابا خلفيا لممارسة العنف ضد الأطفال.
وقال عابد، في تصريحات صحفية، الأحد، إنه سيتقدم بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، لإحالته إلى لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، ليكون أول ملف تناقشه اللجنة.
تعديلات تشريعية
وأوضح أنه سيجرى توجيه الدعوة للمجالس القومية للأمومة والطفولة والمرأة وحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، لدراسة هذا الملف من مختلف جوانبه، تجنبا لحدوث هذه الوقائع الخطيرة.
بدوره، طالب محمد فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، الحكومةَ بضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية الحالي، مبديا استياءه من تعذيب الطفلة، ومتسائلا: “لحد امتى هنسيب أطفالنا ضحية لهذا القانون والذي يذهب ضحيته الأطفال مثلما حدث مع الطفلة جنة”.
يذكر أن قانون الأحوال الشخصية تأخر ظهور تعديله، مما جعل نواب البرلمان، يستعجلون الأزهر في مراجعة القانون لإقراره، وفي ذلك طالب النائب محمد فؤاد، يوم الثلاثاء الماضي، رئيسَ اللجنة التشريعية ووكيليها بمصارحة المواطنين بمصير قوانين الأحوال الشخصية.
وقال فؤاد: “نعاني من انحراف شديد في القانون الحالي خاصة فيما يخص المواد الخلافية والنفقات وإثبات الدخل وهو ما يسبب ظلما كبيرا لجميع الأطراف ونسعى لتصحيح هذا الوضع”.
وأضاف النائب أن اللجنة التشريعية بالبرلمان شرعت في مناقشة التعديلات في 18 يناير 2018، ثم توقفت لعدم ورود رد من مؤسسة الأزهر، قائلا: “استمرار الأزهر في عدم الرد واستمرار البرلمان في عدم المناقشة هو قمة الهزل”، موضحا أن المشروع جرى إرساله للأزهر منذ عامين ونصف العام.
ثغرات قانونية
وبالعودة إلى القانون الذي انطلقت دعوات لتعديله اليوم، ففي يونيو 2018، أطلقت عزة سليمان، رئيس أمناء مؤسسة قضايا المرأة، حملة “جوازي ميمنعش حضانتي لأولادي”، بهدف رفع الظلم عن المرأة وعدم حرمانها من أبنائها حين تقرر الزواج مرة أخرى، كما ينص على ذلك القانون.
وطالبت سليمان في حملتها، بالمساواة مع الرجل الذي لا يمنعه القانون من الزواج بعد انفصاله والاحتفاظ بأبنائه مع زوجةٍ ليسوا أبناءها، إذ إن 90% من النساء المطلقات تأتيهن عروض زواج بين الحين والآخر، في وقت هنّ في أمسّ الحاجة إلى الزواج، لكنهن يضحّين بذلك خشية فقدان أبنائهن، ما يؤدي إلى زيادة نسبة العنوسة.
أما عن حياة الأطفال مع هذا القانون، فأوضحت: “القانون لم ينظر أبدا إلى مصلحة الطفل، بل جعله سلاحا في يد الأب للانتقام من الأم، وسلاحا في يد المرأة تعاقب به طليقها في مواد أخرى متعلقة بالرؤية. وفي موضوع الحضانة، لم يراعِ القانون أبدا مصلحة الطفل، بل ركز على ضرورة أن تتفرّغ الأم المطلّقة لتربية أبنائها”.
مصلحة الطفل
بدورها، قالت المحامية الحقوقية انتصار السعيد، مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان: إن قانون الأحوال الشخصية قد سُنّ في عام 1929، أي قبل حوالى 90 عاما، ومع ذلك لا يزال العمل به مستمرا إلى اليوم رغم التغيرات التي تستوجب نسف هذا القانون واستبدال آخر جديد به يتناسب مع العصر.
وفي ثغرة أخرى من ثغرات القانون، يكشف سمير رشاد أبو طالب، عضو مجلس النواب، أن ترتيب الأب في القانون الحالي في الحضانة هو الرقم 16 في حال عدم وجود الأم، بعد أم الأم، ثم أم الأب، ثم الخالات، ثم العمات…إلى آخره، مما لا يتوافق مع مصلحة الطفل بتاتا.
بينما كشف أحمد مهران، أستاذ القانون العام، ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، في ديسمبر 2018، أن البعض فهم أن الأب رقم 16، لكن الحقيقة أن القانون سرد 15 شخصا ثم توقف ولم يذكر الأب.
إعدام وسادية
وعلى هامش القضية، دشن عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر” هاشتاج #الإعدام_لخال_و_جدة_الطفله_جنة، ليتصدر قائمة الأكثر تداولا، وتفاعل معه عدد كبير من المستخدمين.
بعض الموت رحمة في مجتمع الجدة تعذب والخال يغتصب 💔
رحمك الله يا صغيرتي 🙏#الإعدام_لخال_و_جدة_الطفله_جنه pic.twitter.com/buOFB5K5Aa— soumiazedrouni(زدروني سومية) (@soumiazedrouni) September 29, 2019
وخلافا للصورة النمطية للجدة الحنون، التي يتغزل الأحفاد بحبها ودفئها وحمايتها، وصف الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، الجدة المتهمة التي تجردت من معاني الرحمة بأنها “سادية”، تمارس العنف المادي أو المعنوي تجاه الآخرين دون مبالاة بمشاعرهم.
الطفلة جنة
ومع فجر السبت، أعلن سعد مكي، وكيل وزارة الصحة بالدقهلية، وفاة الطفلة جنة محمد سمير حافظ، خمس سنوات، ضحية التعذيب على يد جدتها؛ عقابا لها على تبولها اللاإرادي.
وقال مكي، في تصريحات صحفية: “إن الطفلة جنة كانت قد أُجريت لها عملية بتر بقدمها اليسرى من أعلى الركبة، يوم الأربعاء الماضي، نتيجة إصابتها بغرغرينا وتورم في القدم، إثر إصابتها بكسر في الساق، نتيجة التعذيب الذي تعرضت له على يد جدتها، وبعد أن ظلّت دون علاج أو رعاية لفترة طويلة بالمنزل”.
وكشفت التحريات أن الطفلة جنة وشقيقتها الكبرى من أبوين كفيفين، انفصلا منذ أربع سنوات، وانتقلا إلى حضانة الجدة، بحكم قضائي لصالحها العام الماضي، والتي عرضتهما للكي بآلة حادة “منجل” في أعضائها التناسلية، مع وصلة من التعذيب أدت لوفاة جنة وتشوهات في جسد أماني.
أضف تعليق