بين استطلاع رويترز وتقرير البنك الدولي وتحذيرات صندوق النقد الدولي.. يمر الاقتصاد المصري بعقبات كبيرة أبرزها معاناته من التضخم وتراكم الديون وارتفاع الفوائد وتآكل الناتج المحلي قبل إنتاجه.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة رويترز أنه من المتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد المصري إلى 5.5% في السنة المالية التي بدأت هذا الشهر، وهو ما يقل عن المستوى الذي تستهدفه الحكومة 5.8% في السنة المالية التالية.
وينبئ متوسط التوقعات الجديدة بأن التضخم في أسعار المستهلكين بالمدن المصرية سيسجل 13% في السنة المالية 2019-2020، انخفاضا من 14.2% التي جرى توقعها قبل ثلاثة أشهر للسنة المالية السابقة.
من جانبه، أوضح مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، الأسبوع الماضي، أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نما 5.6% في السنة المالية 2018-2019، ليرتفع قليلا عن 5.5% المُتوقعة في استطلاع أجرته رويترز في شهر أبريل الماضي.
استطلاع رويترز
وحسب استطلاع رويترز، فقد كشفت نادين جونسون، خبيرة الاقتصاد في “إن.كيه.سي أفريكان إيكونوميكس”- أن: “زيادة أسعار الوقود والكهرباء المرتبطة بإصلاحات دعم الطاقة ستُبقي التضخم مرتفعا في الأشهر المقبلة”، متوقعة أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في الربع الأخير من 2019.
وقال أنجوس بلير، رئيس مركز أبحاث “سيجنت” المتخصص في توقعات الأعمال والاقتصاد: إن التضخم في مصر مرتفع عن المتوسطات المسجلة عالميا منذ فترة طويلة.
وأضاف بلير أنه: “كان هناك بعض النجاح في خفض معدل التضخم، لكن المخاوف ستظل تحيط بالضغوط التضخمية لأسعار الأغذية، خصوصا بسبب التغيرات المحتملة في درجات الحرارة مما يؤثر على الإمدادات الزراعية داخل مصر وعلى مستوى العالم”.
الاقتصاد المصري
على جانب آخر، قالت شيماء عمارة، خبيرة الاقتصاد المصري وتقييم المشروعات: إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستعاني من تباطؤ في النمو خلال الفترة المقبلة وفقا للبنك الدولي، إلا أن البنك لم يخفض توقعاته عن معدلات نمو مصر.
وأضافت عمارة في تصريحات صحفية: “إذا صدقت توقعات رويترز فنسبة الانخفاض ليست كبيرة فلن تزيد على 0.3%، وهو أفضل من معدلات النمو على الصعيد العالمي الذي سينخفض بنسبة تقترب من 1%”.
تقرير البنك الدولي
وفي تقريره منتصف الشهر الجاري، ذكر البنك الدولي أن معدل التضخم في مصر تراجع لكنه لا يزال مرتفعا، ما أدى إلى آثار سلبية على الظروف الاجتماعية والاقتصادية وقرارات الاستثمار، وبلغ متوسط معدل التضخم الكلي 23.3% و21.6% خلال السنتين الماليتين 2017 و2018 على التوالي.
وأضاف البنك أن السبب الرئيسي في ارتفاع التضخم هو خفض سعر صرف الجنيه، في أوائل السنة المالية 2017، لافتا إلى أن كثيرا من المصريين مازالوا يكافحون لمواجهة التآكل في دخلهم الحقيقي، بسبب ارتفاع التضخم.
وكشف البنك الدولي عن أن قطاعي الصحة والتعليم “لم يستفيدا من وفورات الإصلاحات المالية” التي قامت بها الحكومة خلال السنوات الماضية.
وأضاف التقرير أن مخصصات الرعاية الصحية والتعليم انخفضت في الموازنة بالقيمة الحقيقية، إذ تراجع الإنفاق على التعليم من 3.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في 2016، إلى 2.5% في 2018، ومقرر له 2.2% في الموازنة الجديدة.
وذكر أن مخصصات الصحة في الموازنة أيضا تراجعت، إذ بلغ الإنفاق عليها 1.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، ليؤكد ما فجرته وزيرة الصحة، الدكتورة هالة زايد، في 8 من مايو الماضي، من النقص الحاد في الموازنة المخصص لوزارتها.
وتابع البنك أن إمكانيات مصر التصديرية عانت تاريخيا من تشوهات عديدة في السوق المحلية، مثل المغالاة في تقييم سعر الصرف، ما أدى لضعف الاندماج في الأسواق الإقليمية والعالمية، ولم يكن تحرير سعر الصرف كافيا للتحسن.
وبيّن التقرير أسبابا تشير إلى أن قدرة مصر محدودة على تحقيق زيادات في الصادرات، قائلا: إن تجارة مصر الفعلية “لا ترقى إلى المستويات المتوقعة” بالنسبة للعديد من الأسواق والمنتجات.
عوائق النمو
وفي يوليو 2016، كشف تقرير صادر عن ثلاث مؤسسات إنمائية ومالية دولية بارزة، أن حوالي 50% من الشركات المصرية ترى عدم الاستقرار السياسي والفساد كأبرز عوائق أمام نمو الاقتصاد المصري، وهو ما يعد أعلى من المتوسط في المنطقة.
جاء التقرير الذي أصدره البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وبنك الاستثمار الأوروبي، ومجموعة البنك الدولي، تحت عنوان “ما الذي يعوق القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟” وذلك بعد مسح آراء منشآت الأعمال في المنطقة التي تغطي أكثر من 6000 شركة في 8 بلدان.
وتوصل التقرير الذي أصدرته المؤسسات الثلاثة، إلى أن القطاع الخاص يُمكِن أن يُصبِح مُحرِّكا رئيسيا للنمو وتعزيز الرخاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذا وُضِعَت سياسات فعالة لذلك.
دمج وزيادة ضرائب
وتسعى الحكومة بشكل حثيث نحو دمج الاقتصاد غير الرسمي بتشريع القوانين، وتحفيز أصحابه، كما دعا الرئيس عبد الفتّاح السيسي في 16 من مايو 2018، المنتمين إلى الاقتصاد غير الرسميّ للانضمام إلى الاقتصاد الرسميّ بتقنين أوضاعهم، مقابل الإعفاء من كلّ الضرائب والرسوم لمدّة خمس سنوات.
وعن الاقتصاد غير الرسمي، لفت التقرير سالف الذكر إلى أن تقديرات المركز المصري للدراسات الاقتصادية تشير إلى أن هذا الاقتصاد يشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي و66% من إجمالي وظائف القطاع الخاص غير الزراعي.
وأضاف التقرير أن 40% من شركات القطاع الخاص الرسمي لا تملك حسابا جاريا أو حساب توفير، وبالتالي لا تستخدم النظام المالي حتى من أجل خدمات الدفع، وهو ما يؤكد عدم ارتباطها هيكليا.
وحول سبب الدمج، فسّر وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، قائلا: “الدولة تسعى إلى ذلك بهدف زيادة حصيلتها الضريبيّة، إضافة إلى تطبيق ضرائب الأرباح على المشروعات المنتمية إلى الاقتصاد غير الرسميّ، في حالة دمجها بالاقتصاد الرسميّ بعد انتهاء الإعفاء الذي تحدّث عنه السيسي”.
أضف تعليق