حلم التصنيع المستدام.. هل تستطيع مصر تحقيقه؟

التصنيع في مصر
الحكومة تعتمد بشكل أساسي على استيراد المواد الخام التي ارتفعت فاتورتها مؤخرا - أرشيف

رغم أن التصنيع يعد أحد أهم الدعائم الأساسية لاقتصاد أي دولة لتحقيق قيمة مضافة للحصول على العملة الصعبة، إلا أنه في مصر يعد تحديا يواجه العديد من الصعوبات والمشكلات التي يستشعرها المواطن العادي، فضلا عن العاملين بهذا المجال، رغم التوجه الحكومي لتحقيق التنمية المستدامة، واستغلال ذلك القطاع.

وتعتمد الحكومة بشكل أساسي على استيراد المواد الخام، التي ارتفعت فاتورتها مؤخرا، وتكلّف الدولة المليارات، إذ ارتفعت فاتورة استيراد المواد الخام 4.6% خلال مايو الماضي، لتبلغ 685.795 مليون دولار، مقابل 655.587 مليون دولار خلال مايو 2017.

ضعف القيمة المضافة

وقال عز الدين أبو ستيت، وزير الزراعة: “إن تصدير المادة الخام لا يوجد به قيمة مضافة للحصول على العملة الصعبة”.

وأضاف “أبو ستيت” خلال كلمته في جلسة استماع الجامعة الألمانية بالقاهرة لصناعة الأغذية في مصر السبت: “أن القطن المصري لا مثيل له في العالم”.

وتابع: “لابد من تصنيعه، وليس فقط تصديره كمنتج خام، لأن الله حباه بميزة مهمة للغاية، وهي كونه فائق الطول”.

وأردف أبو ستيت: “أنه على الجانب الآخر نجد الطماطم سريعة التلف، ونحتاج إلى آلية للاستفادة منها، لأن الفاقد قد يصل إلى 30 أو 40%، على حسب المزارع، وبعده عن المكان، إذ يجرى الآن نقل الطماطم إلى الأسواق مباشرة”.

التصنيع الزراعي

من جانبه يري عاصم أبو حطب، أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية، أن مخصصات القطاع الزراعي تراجعت في الإنفاق الحكومي في مصر، لتهجره تباعا الاستثمارات المحلية والأجنبية؛ وهو ما تسبب -من ناحية- في تحول مصر إلى مستورد صافٍ للغذاء، وفاقم من مشكلات الفقر والأمن الغذائي، وأضعف -من ناحية أخرى- قدرة قطاعاتنا الزراعية على تغذية ودفع عجلة التصنيع المحلي.

وأوضح في مقال له بعنوان “الصناعات الزراعية الحلقة المفقودة في استراتيجيات التصنيع” أن المحصلة النهائية تراجع الإنتاج الزراعي، وفشل جهود التصنيع، مشيرا إلى أن قطاع الصناعات الغذائية الزراعية يساهم بنحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد حافظ على نمو بلغ متوسط نسبته نحو 13.5% خلال الفترة 2000 – 2014.

ولفت أبو حطب إلى أن هذا القطاع يمثل ثالث قطاعات الإنتاج الصناعي من حيث مؤشر القيمة المضافة، ويساهم بنحو 25% في قوة العمل بالصناعة، كما أن الصادرات الغذائية المصنعة تمثل نحو 12% من صادراتنا غير البترولية.

وحول قيمة الفاقد الزراعي، كشف أن قيمة الفاقد الزراعي في مصر تبلغ في المتوسط نحو عشرة مليارات جنيه سنويا، إذ تصل نسبة الفاقد في بعض الحاصلات الزراعية إلى نحو 40%، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الفواقد تمثل ما يزيد عن مليار متر مكعب من المياه سنويا.

أسباب عزوف المستثمرين

ورصد عدد من المراقبين أسبابا عدة لعزوف المستثمرين عن التصنيع في السوق المحلي، وهو ما انعكس بشكل سلبي على توفر المنتجات المحلية، والعملة الصعبة، وزيادة معدلات تشغيل العمالة، من أهمها:

  • تحرير سعر صرف الجنيه المصري عام 2016، وما ترتب عليه من زيادة سعر الدولار، وتغيير سعر الدولار الجمركي.
  • رأس المال جبان، وهروب رؤوس الأموال الكبيرة إلى خارج مصر، ما أدى إلى ضعف العملية الإنتاجية للمصانع داخل مصر.
  • التعقيدات الإدارية في إنشاء المشروعات التجارية واستخراج التراخيص والتصاريح اللازمة، وتأخر إقرار نظام الشباك الواحد.
  • ضعف تأهيل القوى العاملة، وارتفاع تكلفة الأيدي بالمقارنة بالصين.
  • قلة المواد الخام، وصعوبة الحصول عليها من الأسواق العالمية.
  • تباطؤ حركة التجارة الدولية في مجرى قناة السويس.
  • ارتفاع سعر الطاقة للمصانع، رغم صدور قرار من وزير الصناعة طارق قابيل، بتقليل التكلفة على مصانع الحديد والصلب، لكن القرار لم يُفعّل.
  • قانون القيمة المضافة مع بداية العام المالي 2016-2017، وهو ما يزيد الضرائب على المستثمرين.

واردات المواد الخام

وتعد زيادات واردات مصر من المواد الخاصة من أبرز المعوقات التي تقف في وجه التصنيع المحلي في مصر، إذ أوضحت نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء:

  • أن فاتورة استيراد المواد الخام ارتفعت 4.6% خلال مايو الماضي لتبلغ 685.795 مليون دولار مقابل 655.587 مليون دولار خلال مايو 2017.
  • وزادت فاتورة استيراد التبغ وورق الدخان خلال الفترة من ”يناير-مايو” 2018 بنسبة 210.4% لتسجل 73.12 مليون دولار، في مقابل 23.557 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2017.
  • ارتفعت فاتورة استيراد السمسم لتسجل 34.499 مليون دولار، في مقابل 14.277 مليون دولار، بنمو 141.6%.
  • وزادت واردات فول الصويا، لتسجل نحو 600.722 مليون دولار خلال الخمسة أشهر الأولى من 2018، في مقابل 324.949 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2017، بارتفاع قدره 84.9%، والرخام والجرانيت بنسبة 66.4% لتبلغ 26.352 مليون دولار في مقابل 15.832 مليون دولار، و الكبريت الخام بنسبة 86.4% لتسجل نحو 33.519 مليون دولار في مقابل 17.982 مليون دولار.

جهود حكومية

وتسعى الحكومة لجعل مصر محورا صناعيا وتصديريا لأسواق دول منطقة الشرق الأوسط وقارة إفريقيا، إذ أطلقت قبل عامين “مبادرة التجارة الخضراء” لتطوير الصادرات الزراعية، التي تعاني من أزمة ثقة بالخارج.

وتستهدف تلك المبادرة، تطوير قطاع التصنيع الزراعي، بهدف زيادة الصادرات الزراعية من مصر إلى الدول الأوروبية عبر إيطاليا، وتركز المبادرة على ثمانية منتجات بستانية هي: الطماطم، الخرشوف، العنب، الخس، الفلفل، الفراولة، الفاصوليا الخضراء، والرمان.

ومن المقرر أن تفتتح شركة نستله شمال شرق إفريقيا، خلال شهر يناير المقبل، مصنعا جديدا لإنتاج القهوة، يضم ثمانية خطوط إنتاج، تعمل بأحدث أنظمة تكنولوجيا التحكم في الإدارة التصنيعية، وسيوفر المصنع الجديد منتجات مصرية عالية الجودة، تنافس في الأسواق العالمية، وتفتح المجال لزيادة الصادرات المصرية للأسواق الخارجية.

رقية كمال

شاهد المزيد

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *