عقدة العقد أو فوبيا العلاج النفسي، هكذا يمكن وصف زيارة طبيب الأمراض النفسية لدى المصريين الذي يعاني كثير منهم من هذه الأمراض بنسب تصل إلى 25%، إذ يفتقد كثيرون تلك الثقافة، بل يعتبرها بعضهم وصما اجتماعيا، مع أنها في الأصل علم وتجارب.
وأصبحت حالة القلق والخوف والاكتئاب هي ما ترسم شكل المجتمع المصري، بحسب أرقام كثيرة تشير إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالاضطرابات النفسية والأسباب متعددة.
وكان المسح القومي للصحة النفسية ومعدل انتشار الاضطرابات النفسية لعام 2018 قد كشف عن إصابة 24.7% من المصريين بأعراض نفسية، وفقا لما نقلته منى عبد المقصود، رئيس أمانة مستشفيات الصحة النفسية.
وبحسب دراسات مسحية، فإن 95% من المرضى محرومون من العلاج النفسي، بسبب الوصمة الاجتماعية.
مفاهيم خاطئة
“هو أنا مجنون” تعد أبرز العقبات التي تقف في وجه العلاج النفسي، فانطباعات الناس عن عالم الطب النفسي مليئة بالخرافات، وفقا لتجارب كل شخص في حياته، واحتكاكه بالعيادات النفسية، الأمر الذي أسهم في انتشار الشائعات والمفاهيم الخاطئة عن الطب النفسي، وأبرزها:
- إطلاق أسماء الأمراض النفسية على سلوكيات عادية.
- يعتقد بعضهم أن الطبيب النفسي سيجبرهم على العلاج.
- الطب النفسي خاص بالمجانين.
- الطريقة الوحيدة المستخدمة للعلاج النفسي هي الأدوية أو جلسات الكهرباء.
- المريض النفسي لا يُشفى أبدا.
- المرض النفسي بيولوجي فقط.
- طلب المساعدة النفسية يدل على الضعف.
- المريض لا يستطيع اختيار الطبيب.
- المرض النفسي أمر غير شائع.
- الأدوية النفسية سوف تغير شخصيتك.
نفي المرض
ويرى متخصصون أن مشكلة تلك “الوصمة” تكمن في أنها تجعل المريض نفسيا ينكر أنه مريض أساسا، ويلجأ إلى الانعزال اجتماعيا، خشية انكشاف أمر مرضه، وبالتالي فإنه يتأخر في السعي إلى طلب العلاج، الأمر الذي قد يجعل حالته تتدهور أكثر.
وقال الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي: “إن وصمة المرض النفسي لا تزال موجودة في مصر، وبخاصة مع انعدام الثقافة حول الطب النفسي، ووجود صراع ومواجهة شديدة بين المشعوذين والدجالين”.
وأضاف مجدي، في تصريح صحفي: “أن الإعلام يزيد من وجود هذا الصراع، باستضافة الأطباء أمام الدجالين، وجعلهم كأنهم في مناظرة”.
انتشار الأمراض النفسية
وقال الدكتور ياسر يسري، أخصائي الطب النفسي بجامعة القاهرة: إن زيادة نسبة إصابة المصريين بالأمراض النفسية بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة ترجع إلى بعض الأسباب، ومن أهمها:
- الضغط النفسي: إذ يتعرض له الإنسان بشكل يومي على مدار حياته، الذي يكون له تأثير سلبي أحيانا.
- سرعة إيقاع الحياة: تزداد وتيرة الحياة وسرعة إيقاعها مع مرور الوقت، ما يجعل الشخص في سباق دائم مستمر مع الزمن، وهذا يؤثر بشكل كبير على قدرة الشخص على الاستمتاع بالحياة.
- ارتفاع الأسعار: يأتي الغلاء ليكمل الدائرة المغلقة التي يعيش فيها الفرد من ضغوط نفسية تفوق قدرته على الاحتمال.
- تأخر سن الزواج: نتيجة الغلاء، والبطالة، وانتشار الفساد، والسلوك الخاطئ لدى الشباب، أو عدم نضج الشباب من الجنسين.
- اليأس والإحباط: كل الأسباب السابق ذكرها في إحساس الفرد باليأس، والإحباط، وعدم قدرته على التحكم في مصيره ومستقبله.
دور الدراما
وأسهمت الدراما على مدار عقود في ترويج صورة غير واقعية وسلبية عن الأمراض النفسية بشكل عام، إذ دأبت بعض الأعمال على تصوير المريض النفسي في صورة “المختل والمضطرب” المثير للضحك، الأمر الذي غرس أفكارا نمطية مغلوطة في أذهان ووعي المشاهدين.
ويقول الدكتور محمد رفعت الفقي، أستاذ الطب النفسي جامعة عين شمس: “جاءت نظرة المجتمع الخاطئة للطبيب النفسي بوصفه (طبيب للمجانين) بسبب ما يحدث من أخطاء في الدراما المصرية الخاصة”.
وأشار الفقي، في تصريح صحفي، إلى خطورة اضطرابات النفس، لأنه يصعب تحديد نسبة الإصابة بها، إذ تظهر هذه الاضطرابات في صورة أمراض عضوية، كأمراض الجهاز الهضمي، مثل: اضطراب القولون العصبي أو قرحة المعدة.
اللجوء لطريق خاطئ
وتسبب ارتفاع تكلفة العلاج الذي وصل لنحو 1000 جنيه (55.5 دولارا) للجلسة الواحدة، بسبب قلة عدد المستشفيات النفسية، ونظرة المجتمع السلبية التي تصاحب المرض النفسي في هذا المجتمع المحافظ، إلى لجوء الآلاف إلى وسائل التواصل الاجتماعي، للتعبير عن معاناتهم، والبحث عن الدعم النفسي.
وبلغت جلسات العلاج النفسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق سكايب أو عبر الهاتف، ومدة الجلسة نصف ساعة، وقيمتها للمصريين 160 جنيها.
وتبلغ عدد الأَسِرّة المتوفرة 6650 سريرا في مستشفيات الصحة النفسية المختلفة، وهي 18 مستشفى ومركزا، بالإضافة إلى خمسة مشاريع قيد الانتهاء منها.
وتحتاج مصر بواقع عدد المرضى 16600 سرير، وأعداد العاملين في مستشفيات الصحة النفسية التابعة للأمانة نحو 1073 طبيبا، و2931 من التمريض، و354 أخصائيا نفسيا واجتماعيّا، و2007 إدرايين.
محاولات لحل الأزمة
وفي محاولة للقضاء على ظاهرة الوصم الاجتماعي للمرض النفسي ظهرت العديد من المبادرات من بينها حملة “احمي النفسية” للتوعية بالأمراض النفسية، وأهمية الطب النفسية التي أعلنت عنها الجمعية المصرية للطب النفسي، بالاشتراك مع اتحاد الأطباء النفسيين العرب.
واقترح الدكتور إبراهيم مجدي، أخصائي الطب النفسي، إنشاء أكشاك للفضفضة بمحطات المترو، على غرار أكشاك الفتوى.
وبشأن تلك الفكرة قال مجدي: “إن كل واحد منا في حاجة لأن يفضفض مع شخص يثق به، فهناك مشكلات وضغوط حياتية، فالفضفضة لا ترتبط بالبحث عن حل أو الوصول للخروج من مأزق، إنما هي مجرد تنفيس عما بداخلنا من مشكلة عويصة، أو فكرة تطاردنا، أو سر يرهقنا”.
ولفت إلى أن هناك أربعة ملايين شخص يترددون على المترو يوميا، وقد يكون بين هذا العدد عدة آلاف من المرضى الذين يعانون أمراضا نفسية، ولا يجدون الفرصة أو المقدرة للذهاب للطبيب النفسي.
اقرأ أيضا:
أضف تعليق