رغم أن برنامج الطروحات كان من المفترض ان يبدأ الشهر الحالي بطرح 4.5 من أسهم الشرقية للدخان في البورصة، فإن إعلان المالية تأجيل الطروحات نتيجة تذبذب وخسائر الأسواق المالية يعيد المخاوف حول قيمة شركات القطاع العام التي ستطرح، وإمكانية خسارتها قيمتها الحقيقية، نتيجة عدم استقرار الأسواق المالية عالميا.
ويشير خبراء ماليون إلى أن الأزمة ليست في التوقيت وحده، وإنما أيضا في غياب شكل الآلية المفترض طرح الشركات من خلالها، وتحقيق “القيمة العادلة لشركات القطاع العام” مؤكدين أن الطرح في الأسواق المالية مخاطره كبيرة ويحتاج لإعادة نظر.
وكان من المفترض ان تطرح وزارة المالية أسهم خمس شركات قطاع عام – مصنفة كأكثر الشركات ربحا في مصر – بالبورصة خلال أكتوبر الجاري، وهو ما عطلته الخسائر المتتابعة للبورصة.
تأجيل الطرح
ويعود تأجيل برنامج الطروحات لبيان وزارة المالية الصادر اليوم الجمعة، الذي أعلن فيه تأجيل طرح باكورة الشركات في برنامج طرح شركات القطاع بالبورصة، وتحديدا شركة الشرقية للدخان.
وقالت المالية في بيان: “إن التأجيل نتيجة لعدد من التطورات الأخيرة التي تشهدها أسواق المال العالمية، وأهمها تزايد سياسات الحماية المتبعة والحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والصعوبات التي تواجه عددا كبيرا من الأسواق الناشئة، ما أثر سلبا على سوق المال المصري”.
وأكد البيان أن اللجنة العليا لإدارة برنامج الطروحات ستمضي قدما في تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الطروحات الحكومية في مصر على النحو المعلن، وبشكل يحقق أكبر قدر من الفائدة للاقتصاد المصري، من خلال دفع وتنشيط حركة التداول، وجاذبية البورصة المصرية، فيما لم يحدد البيان موعد الطرح مرة أخرى.
يذكر أن الحكومة تمتلك 55% من أسهم الشرقية للدخان عبر الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، وبلغ سعر السهم عند إغلاق البورصة أمس الخميس 15.75 جنيه.
خسائر البورصة
ويعد السبب الرئيسي لتأجيل برنامج الطروحات هو خسائر البورصة المتتالية، إذ تشهد البورصة منذ أغسطس الماضي خسائر متتالية، كلفت الأسواق المالية مبالغ باهظة، إذ بلغت خسائر البورصة في أسبوع واحد فقط من منتصف سبتمبر الماضي ما يقارب من الـ74 مليار جنيه من قيمتها السوقية، فيما بلغ إجمالي خسائر القطاع العام في البورصة خلال سبتمبر ما يزيد عن الـ77 مليار جنيه من قيمتها السوقية.
وفي الأسبوع الأول من أكتوبر الحالي تخطت خسائر البورصة الـ14 مليار جنيه من قيمتها السوقية، فيما أشارت تقارير البورصة نهاية الأسبوع الحالي إلى ارتفاع طفيف بنسبة 2.2%.
مخاطر الطرح بالبورصة
ورغم إقرار الحكومة برنامج الطروحات عبر البورصة، والإعلان أن تأجيله لن يوقفه، فإن هذا لا ينفي وجود مخاطر خسارة تلك الشركات قيمتها الحقيقية، إذ طرح محمد يوسف، أستاذ الاقتصاد المساعد، بعض تلك المخاطر، في مقال له بعنوان “الشركات العامة ومخاطر الطرح في البورصة”.
وقال يوسف في مقالته المنشورة نوفمبر الماضي: أن طرح الشركات في سوق الأوراق المالية وفق “القيمة العادلة” ليست ضمانة كافية لحصول الحكومة على المقابل العادل للحصص المباعة.
وأوضح يوسف أن عدم تحقيق القيمة العادلة لأسهم شركات القطاع العام قد يكون بسبب انخفاض جودة المناهج والأساليب المستخدمة في تحديد القيمة العادلة، فضلا عن ندرة الخبرات الضرورية للتقييم، وإما لوجود مشكلات مؤقتة وطارئة في الوضع المالي للشركات المطروحة للبيع، تقلّل من هذه القيمة العادلة.
وأضاف يوسف عددا من المشكلات التي ترتبط بالطرح، أبرزها أن الطرح سيعني حصول الحكومة لمرة واحدة على تدفق رأسمالي نظير عملية البيع، متمثلا في هذه القيمة العادلة، مضيفا أنها ستفقد في ذات الوقت موردا ماليا مستقرا ومنتظما، متمثلا في حصتها السنوية من أرباح هذه الشركات.
واعتبر أن التدفقات الرأسمالية للأجانب في سوق الأوراق المالية لن يمثّل إضافة صافية للأصول الإنتاجية المحلية، ولن تعتبر بمثابة استثمارات أجنبية ناقلة للتكنولوجيا.
قد تسبّب خسائر
وفي السياق ذاته، حذّر صلاح حيدر، المحلل الاقتصادي بشركة “بايونيرز كابيتال” العاملة مجال الخدمات المالية، من التوجه في الوقت الحالي لتنفيذ طروحات ضخمة تضمن طرح حصة كبيرة من أسهم الشركات.
وأشار إلى أن ذلك قد يتسبّب في انهيار سعر أسهم الشركات وخسارتها قيمتها السوقية في ظل وفرة المعروض، كما قد يتسبّب في فشل الطرح بشكل عام، وعدم تغطيته للمستهدف منه.
ولفت إلى أن تراجع البورصة المصرية الفترة الماضية يعود لعدة أسباب، أبرزها انتقال عدوى أزمة الأسواق الناشئة في الفترة الأخيرة، وتأثير ارتباك السياسة النقدية في عدة دول إلى السوق المصرية، بالإضافة إلى قضايا تلاعب بعض الشركات الخاصة، وما تسببه من تأثير على أداء البورصة.
وأضاف: “أن البورصة المصرية لا تتمتع بكفاءة في آليات قياس المخاطر والتنبؤ بها، مع نقص عدد الشركات المدرجة فيها، مقارنة بحجم الاقتصاد المحلي” معتبرا أن ذلك من أبرز أسباب حدوث التراجع مع حدوث الأزمات، حتى لو كانت مؤقتة مثل قضايا التلاعب، مضيفا: “أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة من أبرز الأسباب أيضا”.
واعتبر أنه رغم إعلان برنامج الطروحات فإنه لم يجرَ اتخاذ خطوات فعلية فيه، باستثناء “هيرميس” وبنك “HSBC” لتنفيذ عمليتي طرح “الشرقية للدخان” و”أموك” دون أن تتحدد آلية الطرح أو شكله أو طريقة تسعيره.
وطالب بإعادة نظر في البرنامج كله، معللا ذلك بأن الطروحات في الوضع الحالي ستتسبب في عدة صعوبات، ما يهدد تحقيق المستهدف منها، مقترحا البدء بطرح حصص من شركات مدرجة بالفعل بسعر تقييم عادل وجاذب للاستثمارات الخارجية من أجل توفير السيولة في السوق.
كما نادى بتنفيذ الطرح الجديد عبر “صندوق اعتباري” يتولى بشكل مؤقت عمليات التسويق والبيع التدريجي للحصص المتواجدة فيه، من أجل تحقيق المستهدف العام من عملية الطرح دون مخاطرة.
أضف تعليق