انتهت معركة القومية للأسمنت، بعد أعوام من المداولات بهزيمتها، حيث تقرّر إغلاق الشركة عقب 60 عاما قضتها في خدمة اقتصاد الوطن، وهو القرار الذي دافعت عنه الدولة بأنه ضرورة لإيقاف نزيف خسائر ومديونيات، بينما يراه معارضون استمرارا لفشل وضياع الاقتصاد المصري.
ويفتح القرار تساؤلات كثيرة حول تداعيات الإغلاق على العمالة، وأسبابه، وهل وجدت مخارج أخرى بديلة لإغلاق كيان اقتصادي استمر قرابة 60 عاما، نافس فيه شركات عالمية، أم أن إغلاقه ارتبط بافتتاح مجمع مصانع بني سويف التابع للقوات المسلحة منتصف الشهر الماضي؟ وما دور الفشل الإداري في هذا الإغلاق؟ وهل هو السبب الرئيسي أم أن المصنع انتهت صلاحيته بعد سنوات طويلة من العمل؟
الخسائر سبب الإغلاق
وأوصت دراسة صادرة عن كلية الهندسة جامعة القاهرة بعدم جدوى تشغيل القومية للأسمنت، وفقا لتصريحات نقلها وليد الرشيدي، نائب رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، وأكّد فيها أنه سيتم أخذ القرار خلال انعقاد الجميعة العامة للشركة في إطار العمل على الحفاظ على المال العام، ووقف نزيف الخسائر.
وقال رشيدي في تصريحات صحفية، نشرتها جريدة الدستور له اليوم السبت: “إنه لا يمكن الانتظار على نزيف الخسائر، وإهدار المال العام” مشيرا إلى ضخامة مديونية وخسائر الشركة.
وأكّد رشيدي أن أصول القومية تمكّنها من سداد مديونيتها لشركات الغاز، والكهرباء، والبنوك، والتأمينات الاجتماعية، وتعويض العمالة عن قرار الإغلاق والتصفية، كاشفا قيام جهة حكومية كبيرة – لم يسمها – بعملية تقييم وبيع أصول الشركة في إطار الحفاظ على المال العام .
أسباب الإغلاق
ذكر تقرير صحفي عن وزارة قطاع الأعمال منتصف أغسطس الماضي الأسباب التي أدّت لإغلاق القومية للأسمنت في عدة نقاط، وهي:
- وصول عدد عمال القومية للأسمنت إلى ـ2300 عامل، في حين وصلت فاتورة أجور العمال بالشركة خلال العام المالي 2016 – 2017 حوالي 355 مليون جنيه بمتوسط 12 ألف جنيه لكل عامل شهريا، وهو ضعف متوسط الأجور في شركات قطاع الأعمال العام الأخرى.
- ارتفاع خسائر الشركة على مدار أربع سنوات حتى أصبحت تكلفة إنتاج الطن 60% عن متوسط تكلفته في الشركات المنافسة.
- ارتفعت مديونية الشركة لوزارتي البترول والكهرباء إلى 3.7 مليار جنيه.
ونتيجة لتلك الأسباب، قامت إدارة الشركة القومية في نوفمبر عام 2017 بإيقاف تشغيل الأفران لمنع المزيد من الخسائر.
خسائر وفشل إداري
وفي مقابل الأسباب التي ذكرها قطاع الأعمال يرى خبراء أن قرار إيقاف الشركة وما سبقه من خسائر، يعود لمخالفات إدارات الشركة، وأنه كان يمكن تلافي تلك الخسائر، بإصلاح الهيكل الإداري لا إيقاف نشاط الشركة.
وأصدرت وزارة قطاع الأعمال بيانا رسميّا عن الشركة القومية، قالت: “إن الوزارة رصدت عدّة مخالفات جسيمة للإدارات السابقة، أبرزها إسناد التشغيل والصيانة لشركة أجنبية بقيمة 350 مليون جنيه، رغم توفر الخبرة المحلية”.
وأشار البيان أيضا إلى وجود قصور في عقد تطوير خطوط الإنتاج، وهو العقد الذي قام بتوقيعه – كممثّل للشركة – وزير قطاع الأعمال الأسبق، حيث لم يحدّد العقد معايير واشتراطات والتزامات الاستشاري والمقاول، مما أدّى إلى عدم تنفيذ التطوير بالشكل المطلوب، بل وإلى ارتفاع استهلاك الغاز بصورة كبيرة.
وقدّم عدد من القيادات العمالية داخل الشركة حلولا لمنع إغلاق الشركة نهائيا أبرزها:
- في عام 2015 اقترح سعيد عبدالمعطي، مفوّض الشركة، شراء طاحونة فحم، لتوفير أسعار الطاقة بدلا من الغاز، كما فعلت أغلب شركات الأسمنت الكبرى في مصر، وهو ما لم يتم.
- قدم عبدالمنعم الجمل، رئيس النقابة العامة للعاملين بالبناء والأخشاب، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للتشييد والتعمير، دراسة لاستخدام المازوت بدلا من الغاز، بهدف تقليل كلفة الطاقة للطن من 600 جنيه إلى 350، مما يرفع الخسارة، لتتحول لربح بقيمة 114 جنيه في الطن، وهو ما لم يتم تنفيذه أيضا.
- وطالب الجمل أيضا بتقييم موضوعي، ومقارنة لخسائر فترة توقف الشركة في مقابل خسائر فترة ودراسة كافة الاختيارات بموضوعية قبل إعلان بيع الشركة.
موقف عمال الشركة
واصل عمال القومية للأسمنت اعتراضاتهم على إغلاق الشركة، حيث أعلن الجمل أن النقابة قامت بإرسال ثلاثة إنذارات قضائية لوزير قطاع الأعمال، ورئيس الشركة القومية، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، تطالبهم فيها بإعادة تشغيل الشركة بالمازوت، ومحاسبة الفاسدين، واحالتهم للقضاء، وإنقاذ الشركة بدلا من إغلاقها.
وأضاف الجمل في تصريحات له اليوم: “إن النقابة طالبت بتحمّل الشركة المنفّذة للتطوير تكلفة إيقاف الأفران والمصانع لثلاث سنوات، وإلا ستضطر النقابة لاتخاذ الإجراءات القانونية، وتحميل القابضة المسؤولية القانونية والسياسية، نتيجة الأخطاء المذكورة بالإنذار”.
وأشار الجمل إلى أن الشركة المفترض بها تطوير القابضة عام 2013، وكانت تقوم بالتطوير من أجل زيادة الإنتاج، بمبلغ يصل إلى 400 مليون جنيه، وأضاف: “وإذا بالتطوير يتحوّل إلى خسارة متعمّدة، ولم يتحرك المسؤولين للمتابعة، والحفاظ على المال العام”.
وأكّد الجمل على أن أهمية القابضة ليس محليا فحسب، ولكن عالميا، مشيرا إلى أنها الشركة الوحيدة الباقية من قطاع الأعمال العام من شركة الأسمنت، وكانت تحقّق أرباحا مرتفعة بجانب منافستها للشركات العالمية.
ولفت الجمل إلى أنه وبعد إنفاق مليارين على تطوير الشركة بدأت الشركة بالخسارة، وكأن التطوير هدفه الخسارة، على حدّ قوله.
مصنع بني سويف
في مقابل إعلان إغلاق الشركة القومية للأسمنت يجري العمل على قدم وساق لافتتاح مجمع مصانع بني سويف، والذي من المخطّط له ليصبح أكبر مصنع لإنتاج الأسمنت، مسؤول عن إنتاجه القوات المسلحة.
وقال أحمد الزيني، رئيس رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية: “إن مصنع الأسمنت ببني سويف يستهدف إنتاج 20 مليون طن أسمنت سنويا”.
وأشار الزيني في تصريح صحفي نُشر عقب الإعلان عن البدء في إنشاء مصنع بني سويف بداية 2017 إلأى أنّ المشروع من المفترض أن ينتهي بناؤه نهاية 2018، وسيضم ستة خطوط إنتاج، وسيزيد الإنتاج المحلي من الأسمنت، مما يتيح الفرصة لتوفير حاجة الدولة من الأسمنت في المشروعات الجديدة.
وشهد عبدالفتاح السيسي منتصف أغسطس الماضي افتتاح مصنع بني سويف للأسمنت، والذي يعدّ أحد أكبر مصانع الأسمنت على مستوى العالم، ويقع على الطريق الصحراوي الشرقي على بعد 10 كيلو مترات من بوابة تحصيل الرسوم بالمدينة.
ويربط معارضو اغلاق القومية للأسمنت بين إغلاقه وبين افتتاح القوات المسلحة لمصنع بني سويف، فيما يراه مسؤولون جزءا من عملية التنمية الشاملة.
أضف تعليق