رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى انخفاض معدلات البطالة في مصر لنحو 7%، مقارنة بخمس سنوات مضت، وتحقيق نمو اقتصادي، بلغ 5.6%، منتصف عام 2019، فإن توفير فرص عمل جديدة تحدٍّ يواجه الحكومة، تزامنا مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وخلال السنوات الماضية، وقّعت الحكومة -متمثلة في وزارة الاستثمار والتخطيط- العديد من البروتوكلات، لدعم وتمويل المشروعات الصغيرة، لتوفير فرص عمل جديدة، إلا أنه وَفق مراقبين لم تأتِ تلك البروتوكلات بثمارها.
فرص عمل جديدة
وبين الحين والآخر تخرج وزارة المالية وتتحدث بالأرقام عن تحقيق معدلات نمو غير مسبوقة خلال عام 2019، الأمر الذي أثار تساؤلات، لماذا لم يخلق النمو فرص عمل جديدة، تُترجم معدلات التنمية؟
وتقدم محمد فؤاد، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة لعلي عبد العال، رئيس مجلس النواب، موجه لمصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بشأن عدم قدرة النمو الاقتصادي على توفير فرص عمل جديدة.
واستعان فؤاد بورقة بحثية عن منتدى البحوث الاقتصادية، بعنوان “هل يخلق الاقتصاد المصري وظائف جيدة، خلق فرص العمل والضعف الاقتصادي من 1998 إلى 2018″، التي بيّنت أن محاولات التعافي الاقتصادي خلال العقد الماضي لم تُسفر في واقع الأمر عن توفير فرص عمل جديدة.
وأشار فؤاد، إلى أنه يُمكن بيان ذلك في عدد من النقاط، فبرغم تحقيق معدل نمو اقتصادي بلغ 5.6% في يونيو 2019، فإن معدل العمالة انخفض من 46% عام 2008 إلى 39% بحلول عام 2018.
قلة الوظائف المتاحة
وتابع فؤاد: “رغم أن معدل البطالة القياسي بلغ 8.2% عام 2018، فإن معدل البطالة -بالمعنى الواسع الذي يشمل الأشخاص العاطلين المحبطين الذين لا يبحثون عن عمل في ضوء قلة الوظائف المتاحة- قد ارتفع من 9.6% إلى 11.1% بين عاميْ 2012 و2018”.
ورأى فؤاد أنه في ظل انكماش عدد الوظائف الحكومية، وعجز القطاع الخاص الرسمي عن توفير وظائف شاغرة، وارتفاع أعداد الشباب خريجي المعاهد المتوسطة فما أعلى، فقد انخفضت معدلات مشاركة الشباب في القوى العاملة، من 52% في عام 2006 إلى 48% عام 2018.
وأشار إلى انخفاض نسبة المشاركين في سوق العمل من الذكور من 77% في عام 2012 إلى 72% في عام 2018.
وأوضح فؤاد أن العمالة المأجورة غير الرسمية استمرت في الزيادة كنسبة من إجمالي العمالة، إذ ارتفعت من 24% في 2006 إلى 39% في 2018، وتعد العمالة المأجورة غير الرسمية خارج المنشأة الثابتة واحدة من أكثر أشكال العمالة هشاشة، فلا توفر للموظف تأمينا اجتماعيا أو طبيا ولا إجازة مدفوعة.
وأكد فؤاد أن الصناعات العشر الأولى التي ساهمت في خلق فرص العمل أغلبها “غير رسمي” في المؤسسات الخاصة، تكمن في مناطق البيع بالتجزئة، والتوزيع، والخدمات وغيرها.
وأضاف: “أن هذه الصناعات ساهمت بنسبة 65% من صافي نمو العمالة بمؤسسات القطاع الخاص، ورغم أهمية تلك القطاعات، فإنها في الغالب تعد وظائف بدائية وقليلة الجودة، وبالتالي قليلة العائد”.
ورغم المطالبات بتوفير الدولة فرص عمل جديدة، كان النائب فوزي فتى، أمين سر لجنة الصناعة بمجلس النواب، قد أثار جدلا، بإعلانه أن الدولة غير ملزمة بتعيين الشباب، وإنما بتثقيفهم، مشيرا إلى ضرورة البحث عن فرص عمل خارج الحكومة، لأنها لم تعد وظائف مثل السابق.
مليون فرصة عمل سنويا
وبحسب الأرقام الرسمية، تحتاج مصر إلى فرص عمل جديدة، تصل إلى مليون فرصة سنويا، لاستيعاب المتخرجين لسوق العمل، الذين تتراوح أعدادهم ما بين 650 إلى 750 ألف خريج كل عام، بجانب تراكمات بطالة هيكلية، تحدث بسبب الركود الطويل في بيئة الأعمال، بحسب ما أعلنه أسعد عالم، المدير القطري لمصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي.
ومنذ أيام، قال خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي: “إن معدلات البطالة في مصر أظهرت أن 22% من خريجي الجامعات يعانون البطالة”.
وأضاف، في تصريحات صحغية: “أن هذا يعد أمرا منطقيا، لأن الأقل تعليما لا يهمه المسمى الوظيفي ولا الراتب الذي سيحصل عليه، فيقبل بأي عمل، بعكس خريجي الجامعات الذين يبحثون عن عمل ملائم لتعليمهم ومؤهلهم، ومن ثَمّ تزداد نسب البطالة بينهم”.
أما مدونة البنك الدولي، فتشير إلى أنه في حالة الدول التي لديها مشكلة بطالة هيكلية ولا تكون هناك فرص عمل كافية، أو على الأقل العدد الكافي من الوظائف الجيدة، فقد لا يكون أمام الحكومة خيار آخر سوى تحفيز الاستثمارات، وخلق فرص العمل، وهو ما ينطوي على زيادة الطلب الكلي أو الاستثمارات التي تستهدف قطاعات محددة.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر قد أعلن، في ديسمبر الماضي، أن معدل البطالة بلغ 7.8% في الربع الثالث من العام الحالي، مقابل 7.5% في الأشهر الثلاثة السابقة.
وأضاف الجهاز: “بلغ حجم قوة العمل 28.406 مليون فرد بين يوليو وسبتمبر، مقارنة بالربع الثاني إذ بلغ 28.069 مليون، بنسبة زيادة 1.2%”.
بروتوكلات تعاون
وفي المقابل، عقدت الحكومة العديد من البروتوكلات والمباحثات لتعزيز النمو، وتوفير فرص عمل جديدة، آخرها وزارتيْ التعاون الدولي، والبترول، مع بندر الحجار، رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، تعميق التعاون في إطار الشراكة الإستراتيجية المُوّقعة بين مصر والبنك حتى عام 2021 بقيمة 3 مليارات دولار.
وتركّز الإستراتيجية المُوقّعة بين مصر والبنك الإسلامي للتنمية على 4 محاور رئيسية، وهي:
- رفع كفاءة عناصر الإنتاج ذات القيمة المضافة العالية، وتعزيز استدامتها، وجودتها.
- تنمية وتمويل التجارة، ودعم وتطوير القطاع الخاص.
- تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة.
- تنمية القدرات، من خلال برامج تبادل المعارف والخبرات.
ويأتي توقيع البروتوكلات لتعزيز النمو الاقتصادي في ضوء توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد في تصريحات له سبتمبر الماضي على ضرورة تحسين معيشة المواطنين، وتغيير ظروفهم الحياتية للأفضل، من خلال التطبيق الجيد لمنظومة إدارة المخلفات الصلبة الجديدة، فضلا عن إقامة صناعة وطنية، وتوفير فرص عمل جديدة، ودمج القطاع غير الرسمي.
أضف تعليق