من جديد عادت مفاوضات سد النهضة إلى مربع صفر، بعدما تعثرت الجولة الرابعة من اجتماعات سد النهضة، برعاية من الإدارة الأمريكية والبنك الدولي، وسط حالة من الترقب لاجتماع واشنطن غدا الاثنين، ومستقبل مجهول بشأن ما تحمله الأجندة المصرية من سيناريوهات من أجل إنقاذ المفاوضات من التعثر والتلكّؤ والمماطلة الإثيوبية.
وانتهت الخميس الماضي أربعة اجتماعات فنية حكومية على مستوى وزراء المياه، لبحث خلافات سد النهضة الإثيوبي، انتهت جميعها إلى طريق مسدود، وبات أمام الدول الثلاث: مصر، والسودان، وإثيوبيا، حلا أخيرا في العاصمة الأمريكية واشنطن.
ووفقا لمراقبين، فإن جولة التفاوض الرابعة في أديس أبابا “لم تكن متوقعة”، إذ كانت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تأمل بتسوية جميع المشكلات العالقة، ليقتصر برنامج الاجتماع في واشنطن على إعلان التوصل إلى اتفاق، برعاية أمريكية، فضلا عن تلقّي مصر إشارات مختلفة من دول أخرى بترجيح إبداء إثيوبيا مرونة في الجولة الرابعة.
مفاوضات سد النهضة
“إثيوبيا قلبت الطربيزة” هكذا يمكن وصف بيان الجانب الإثيوبي الأخير، الذي نسف كل التفاهمات، التي جرى التوصل لها خلال الجولات الثلاثة الأولى، إذ أعلنت رفض المقترح المصري الخاص بقواعد ملء السد، وهو البيان الذي أعلنت مصر رفضه جملة وتفصيلا.
واستنكرت مصر، في بيان شديد اللهجة، مغالطات البيان الإثيوبي الأخير بشأن الاجتماع الوزاري لمفاوضات سد النهضة، رافضة بيان الجانب الإثيوبي.
وقالت الخارجية المصرية: “إن بيان إثيوبيا عن الجولة الرابعة من المفاوضات تضمّن العديد من المغالطات، منها: أن مصر طلبت ملء سد النهضة في فترة تمتد من 12 إلى 21 سنة، في حين أن الطرح المصري يقود إلى ملء سد النهضة في ست أو سبع سنوات إذا كان إيراد النهر متوسطا أو فوق المتوسط خلال فترة الملء”.
وتضمنت رسائل وزارة الخارجية، بشأن مفاوضات سد النهضة، أن الاجتماعات الوزارية الفنية الأربعة لم تفضِ إلى تحقيق تقدم ملموس، بسبب تعنّت إثيوبيا، وتبنيها لمواقف مغالى فيها، تكشف عن نيتها في فرض الأمر الواقع، وبسط سيطرتها على النيل الأزرق، وملء وتشغيل سد النهضة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب.
وأشارت مصر عبر البيان إلى اتفاق إعلان المبادئ، المُبرم في 23 مارس 2015، وكذلك اتفاقية 1902 التي أبرمتها إثيوبيا بإرادتها الحرة كدولة مستقلة، واتفاقية 1993 التي تعهدت فيها بعدم إحداث ضرر لمصالح مصر المائية.
واستنكرت مصر ما ورد في بيان الخارجية الإثيوبية من مزاعم، بأن مصر تسعى للاستئثار بمياه النيل، موضحة أن مثل هذه التصريحات والشعارات الجوفاء ربما تصدر للاستهلاك المحلي.
الانسحاب من المفاوضات
وعقب البيانات المتراشقة بين الجانبين المصري والإثيوبي، ترددت أنباء بشأن انسحاب مصر من المفاوضات كرد فعل عن التعنت الإثيوبي وإضاعة الوقت، وهو ما نفته مصر، مؤكدة التزامها بالعمل الأمين، إذ انخرطت في هذه المفاوضات بحسن نية، وبروح إيجابية، تعكس رغبتها الصادقة في التوصل لاتفاق عادل ومتوازن، يحقق المصالح المشتركة لمصر ولإثيوبيا.
وقالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الإفريقية: “إن وزارة الخارجة أرادت أن تطلع الرأي العام على مدى صحة البيان الإثيوبي، الذي ضم الكثير من المغالطات، من خلال بيانها الذي اتسم بالوضوح والدقة”.
وأضافت عمر في تصريحات صحفية: “أن بيان الخارجية لا يعد تمهيدا لانسحاب مصر من مفاوضات سد النهضة كما ردد البعض”، لافتة إلى أن اجتماع واشنطن يعد الجولة الأهم في المفاوضات، لكونه سيشهد حضورا فنيا على مستوى عالٍ.
وتابعت: “مصر لم تقدم أي تنازلات حيال الملف المائي، وسبق وقدمنا كل التسهيلات لإنجاح المفاوضات، وعلى الجانب الآخر استيعاب هذا الأمر”، لافتة إلى أن الحديث عن فشل المفاوضات ما زال بعيدا.
ودعت الخبيرة في الشأن الإفريقي أديس أبابا إلى تجنب مثل هذه البيانات التي تستخدمها للاستهلاك المحلي، قائلة: “إن هذا لن يساعد في خلق البيئة المواتية، لتحقيق أي تقدم في المفاوضات”.
اجتماع واشنطن
وفيما يخص اجتماع غد الاثنين، الذي يعقده وزير الخزانة الأمريكي مع وزراء الخارجية والمياه لمصر والسودان وإثيوبيا في واشنطن، يوميْ 13 و14 يناير 2020، رأى مراقبون أن هذا الاجتماع سيكون الفيصل في المفاوضات المستمرة منذ سنوات، إما بالوصول إلى حل أو التصعيد، وخاصة أن طريقة تعامل أديس أبابا مع المفاوضات لا تليق بحجم الأزمة.
وقال ضياء القوصي، مستشار وزير الري السابق: “إن الاجتماع المقبل سيشهد خيارين لا ثالث لهما، إما انفراجة في الأزمة أو تصعيد”، خصوصا وأن الجانب الإثيوبي لا يبحث عن حلول وسط، بل كل همه إهدار الوقت.
وأضاف القوصي في تصريحات صحفية: “أن بيان الري والخارجية يوضحان مدى المعاناة التي يلقاها الوفد الفني المصري في التفاوض، من خلال ما يهدره الوفد الإثيوبي من وقت، دون أي جدوى”.
فرصة للتقييم
فيما قال محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري: “إن اجتماع واشنطن سيشهد استعراض وتقييم نتائج اللقاءات الفنية الأربعة التي عقدتها مصر والسودان وإثيوبيا عن سد النهضة، طبقا للأجندة المتفق عليها في السادس من نوفمبر الماضي”.
وأكد السباعي، في تصريحات صحفية، أن مصر لا تعتزم حاليا إدخال تعديلات على مقترحاتها لملء وتشغيل السد الإثيوبي، وأن البيان الصادر عن وزارة الخارجية شرح العناصر الفنية الحاكمة لهذا المقترح.
ورفض المتحدث باسم وزارة الري الحديث عن الخطوة التالية في المفاوضات الجارية بشأن سد النهضة، في ضوء عدم التوصل لاتفاق خلال الاجتماعات الأربعة المتفق عليها، مضيفا: “سنرى ما سيسفر عنه اجتماع واشنطن”.
وقال السباعي: “إن اجتماع واشنطن كان مدرجا على أجندة المسار الحالي للمفاوضات، سواء توصلت إلى اتفاق أو لم تصل”.
أضف تعليق