تتضارب الأرقام التي ترصد حالات الانتحار في 2019، بسبب إحجام وزارتي الصحة والداخلية -الجهتان المنوطتان بتسجيل حالات الوفاة- عن إصدار إحصائيات واضحة، ما ترك باب الاجتهاد مفتوحا للمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني للتقديرات الجزافية.
ومع زيادتها، طالب النائب أحمد طنطاوي الحكومة، في بيان عاجل، في الخامس من ديسمبر الجاري، بضرورة بحث أسباب ظاهرة الانتحار، “وبث الأمل في روح الناس، وليس حبسه، في ظل حالة الإحباط واليأس من المستقبل”، بحسب بيانه.
وانتقد النائب البرلماني في بيانه التناول الإعلامي لحالات الانتحار، واصفا إياه بأنه يشجّع مَن لديهم أمراض نفسية وميول نحو الانتحار بالإسراع في التخلص من حياتهم.
الانتحار في 2019
الإحصائية الرسمية الوحيدة التي ترصد الانتحار في 2019 من جانب منظمة الصحة العالمية، نشرت تقريرا، في التاسع من سبتمبر الماضي، جاء فيه أن شخصا واحدا ينتحر كل 40 ثانية على مستوى العالم، وتصدّرت مصر قائمة البلدان العربية من حيث أعداد المنتحرين لعام 2016، إذ شهدت 3799 حالة انتحار.
ورغم أن التقرير يرصد الحالات في 2016، إلا أنه يكشف حجم الكارثة التي لم تعلنها المؤسسات الرسمية في مصر خلال السنوات الأخيرة، كما أضاف التقرير تجاوز عدد الرجال المنتحرين أعداد النساء المنتحرات، بعدد 3095 مقابل 704.
ويضيف تقرير منظمة الصحة العالمية أن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل هي التي تتحمل معظم العبء الناجم عن عمليات الانتحار على الصعيد العالمي، إذ يقع بها نحو 75% من حالات الانتحار بالعالم، بسبب اليأس والتهميش، وتردِّي الأحوال الاقتصادية، وغياب العدالة الاجتماعية، والتمييز في المجتمع.
الانتحار المباشر
واختلف 2019 عن غيره من الأعوام السابقة في طبيعة ودوافع وأشكال ووسائل الانتحار، وأعمار المنتحرين، وتوالي الأعداد خلال فترة زمنية قصيرة، وجاءت فيه أبرز الحالات التي سببت الكثير من الحزن، كالتالي:
- 22 ديسمبر: انتحار تلميذ في الصف السادس الابتدائي “12 عاما” شنقا، داخل غرفة في الطابق الثالث بمنزل والده، بمركز أبو تشت بمحافظة قنا، وأوضحت التحريات مروره بأزمة نفسية، بسبب المعاملة السيئة داخل المنزل، في ظل غياب والده.
- من 4 إلى 12 ديسمبر: شهد هذا الأسبوع 15 حالة انتحار معلنة، بخلاف الحالات غير المرصودة، بينهم طالبة في الثانوية العامة تناولت قرصا ساما لحفظ الغلال.
- 8 ديسمبر: انتحار طالبين في الإعدادية والثانوية، ضمن الانتحار في 2019.
- 30 نوفمبر: كانت هذه أبرز الحالات التي شهدت زخما إعلاميا، وصل إلى النائب العام، إذ شهدت منطقة الزمالك في القاهرة، انتحار طالب بهندسة حلوان بإلقاء نفسه من أعلى برج الجزيرة، الذي يبلغ ارتفاعه 187 مترا، ليسقط جثة هامدة، وأقرّ صديقه بمعاناته أزمة نفسية حادة.
- 10 نوفمبر: شخص يصوّر حادثة انتحاره شنقا بالقاهرة، في بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
- 13 يوليو: شخص آخر بالمنوفية يصوّر انتحاره شنقا في بث مباشر على فيسبوك؛ لمروره بأزمة نفسية، نتيجة سوء معاملة والده، وكتب: “سامحوني مش قادر أكمل”، وشغّل الشاب أغاني، وأشعل سيجارة، ثم صعد على كرسي، وانتحر.
- 15 يوليو: انتحار طالب وطالبة بسبب رسوبهما في الثانوية العامة، ليرتفع العدد بعد ظهور النتيجة إلى خمسة أشخاص.
- 27 أبريل: انتحار ثلاث فتيات، أعمارهن “17، و15، و12 عاما” من أسرة واحدة، بسبب المشكلات الأسرية.
أسباب ودوافع
ترى كثير من التقارير غير الرسمية في مصر والمؤسسات الرسمية خارجها أن أكبر أسباب الانتحار في 2019 تتمثل في تدني الوضع الاقتصادي، ومستوى دخل الفرد، إذ أعلن البنك الدولي في بيانه، في الأول من مايو الماضي، “أن من سكان مصر نحو 60% إما فقراء أو أكثر احتياجا”.
وأضاف البنك: “أن مصر بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود، لتسريع الاحتواء الاقتصادي، واستيعاب القوى العاملة المتنامية”.
وأوضح أن عدم المساواة آخذ في الازدياد، واقترب معدل الفقر الوطني من 30% عام 2015، ارتفاعا من 24.3% عام 2010.
بينما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في يوليو الماضي، أن نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفعت إلى 32.5%، وفقا لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2017-2018، خصوصا بعد بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وظهر تأثير العامل الاقتصادي بقوة في ارتفاع الانتحار في 2019، وما أظهرته الأنباء المتجددة عن حالات انتحار آباء، لعدم قدرتهم على توفير احتياجات المعيشة لأبنائهم، وحالات قتل فيها الآباء أبناءهم للسبب ذاته.
وترافق هذه الأسباب الاقتصادية أخرى اجتماعية، تتوزع بين العنف المنزلي، والتفكك الأسري، والعنوسة، والبطالة، وصعوبة الزواج، إذ كشف مركز السموم في 2014 عن أن نحو 2700 فتاة أقدمت على الانتحار سنويا بسبب العنوسة، فضلا عن الشباب المنتحر بسبب صعوبة الزواج.
الأسباب كلها في مصر
بدورها، قالت سهير لطفي، الرئيس السابق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، سبتمبر الماضي: “إن اختلاف الثقافات وبعض الضوابط الدينية الخاطئة غالبا ما يجعل الشخص (اتكاليا) يرضى بالأمر الواقع، ولكن حين تتراكم عليه الأزمات، تبدأ فكرة الانتحار تراوده”.
وجاءت العديد من أسباب الانتحار في 2019 بحسب تصريحات مؤسسات بالمجتمع المدني والأطباء النفسيين كالتالي:
- ارتفاع معدلات البطالة: إذ وصلت إلى 7.8% من إجمالي قوة العمل، خلال الربع الثالث من العام الجاري، مقابل 7.5% في الربع الثاني من العام نفسه، أي: بارتفاع قدره 0.3%، بحسب تصريحات “جهاز الإحصاء” 14 نوفمبر الماضي.
- تدني المستوى الصحي والخدمات الطبية: فضلا عن تصريحات وزير الصحة، هالة زايد، بأن منظومة التأمين الصحي الشامل “إجبارية”، وأن الكل “سيدفع”، ومع تطبيقها سيُلغى العلاج على نفقة الدولة تدريجيا.
- تردّي الأوضاع السياسية، وغياب العدالة الاجتماعية: فقد ظهرت العديد من الدعوات لثورات ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا، إلا أنها باءت بالفشل، لكنها أظهرت حالة عدم الرضا عند الكثير من الشباب.
- التنمر: فقد حذّر النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، 15 ديسمبر الماضي، من أن للتنمر في المدارس عواقب خطيرة، قد تصل إلى الانتحار.
- الخواء الثقافي والديني.
- المشكلات الأسرية والأزمات النفسية.
أضف تعليق