عادة ما تؤسس الدول صناديق الاستثمار السيادية من فوائض الأموال والثروات لديها، والتي تتجاوز قدرة الاقتصاد المحلي، فتُوجه إلى الخارج بغرض تعظيم العائد عليها، أو تُستثمر في مشاريع تمثل قيمة مضافة للأجيال في المستقبل أو كاحتياطي وقت الأزمات، إلا أن الحال مختلف حين يتعلق الأمر بصندوق مصر السيادي.
وخلال اجتماعه أمس الخميس، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض مواد قانون 177 لسنة 2018، بإنشاء صندوق مصر السيادي “ثراء”، لمنع المواطنين من الطعن على نقل ملكية الأصول من جهات الدولة إليه، أو الطعن على عقود الصندوق مع الأطراف الأخرى، حسبما ورد في المادة “6 مكرر أ”.
تحصين الصندوق وتنميته
وجاء في بيان “الوزراء”، أنه بحسب المادة المذكورة في مشروع القانون، فيقتصر حق الطعن على الجهة المالكة للأصل أو الصندوق، ولا يحق رفع الدعاوى ببطلان العقود، أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، إلا من أطراف التعاقد، أي أن الصندوق محصن إلا من نفسه.
يأتي هذا إضافة إلى التساؤلات التي رافقت نشأته، إذ لم تفصح أي جهة رسمية عن كيفية عمل الصندوق ولا عن إدارته أو الحد الأقصى للصلاحيات التي يتمتع بها، أو سبل مراقبته إذ يخضع للإشراف المباشر من رئاسة الجمهورية، ولا يخضع لرقابة البرلمان.
وأنشئ صندوق مصر السيادي بإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية، برأسمال قدره خمسة مليارات جنيه (ما يعادل 312 مليون دولار)، ووافق عليه البرلمان في يوليو 2018، وأقرته الحكومة في أبريل 2019، برأس مال مرخص 200 مليار جنيه.
إلا أن أيمن محمد سليمان، المدير التنفيذي للصندوق، توقع زيادة رأسمال الصندوق المرخص به إلى تريليون جنيه، وقال في تصريحات صحفية، 12 نوفمبر الماضي، إنه يتوقع أن يتم ذلك خلال ثلاث سنوات أو أقل “حسب الشهية الاستثمارية واستجابة المستثمرين”.
تعديلات أخرى
وإضافة لتحصين الصندوق، أوضح “الوزراء” أن المشروع في مادته الأولى ينص على أن يستبدل بعبارة “صندوق مصر” عبارة “صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية” أينما وردت في القانون وفي أي من القرارات.
وأضاف المجلس أن مشروع القانون ينص في مادته الثانية على أن يُستبدل بنصوص المواد (3، و6 فقرة ثالثة، و19) من القانون رقم 177 لسنة 2018 بإنشاء صندوق مصر، نصوص أخرى، مختصرها الآتي:
- مادة 3: تنص على أن الصندوق يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله.
- مادة 6 فقرة ثالثة: تنص على أن يتم قيد الأصول في دفاتر الصندوق بالقيمة السوقية وفقا لقواعد وإجراءات التقييم التي يحددها النظام الأساسي وبما لا يتعارض مع الآليات والأحكام المنصوص عليها في المادة (8) من هذا القانون، ولمجلس إدارة الصندوق أن يعهد بإجراء التقييم إلى أحد بيوت الخبرة العالمية في الأحوال التي تقتضي ذلك.
- مادة 19 فقرة أخيرة: تنص على أن ترد الضريبة على القيمة المضافة التي تسدد من الصناديق الفرعية، أو الشركات التي يساهم فيها الصندوق بنسبة تزيد على 50% من رأسمالها، في حدود نسبة مشاركته فيها، وذلك كله دون الإخلال بأي إعفاءات منصوص عليها في أي قانون آخر.
وأوضح “الوزراء” أن المادة الثالثة من مشروع القانون تنص على إضافة مواد جديدة، مختصرها:
- المادة 6 مكررا: وتنص على أن يُودع قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول المنصوص عليها بالمادة (6) من القانون مكتبَ الشهر العقاري المختص، بغير رسوم، ويترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية.
- المادة 6 مكررا أ: منع الطعن عليه إلا من الجهة المالكة أو الصندوق المنقول له.
- المادة 6 مكرر ب: تقضي المحكمة بعدم قبول الطعون أو الدعاوى من غير الأطراف المذكورين فيها.
إدارة أصول الدولة
تختلف آلية عمل صندوق مصر السيادي عن غيره من الصناديق الاستثمارية في أن مصر ليس بها فوائض مالية كي يديرها الصندوق، وبدلا من ذلك تتجه إدارته نحو أصول الدولة المستغلة وغير المستغلة، وهذا ما تؤكده تصريحات المدير التنفيذي للصندوق.
ففي 12 نوفمبر الماضي، صرح سليمان، بأن الصندوق تلقى عروضا استثمارية لاستغلال مباني منطقة القاهرة الخديوية، ومنها مجمع التحرير، وذلك مع اقتراب إخلائه ونقل الإدارات التي بداخله إلى العاصمة الإدارية الجديدة، فضلا عن نقل ما يقرب من 30 أصلا من الأصول غير المستغلة إليه.
من جانبه، يرى أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، هشام إبراهيم، أن صندوق مصر السيادي مهم “لإدارة الأصول غير المستغلة بأسلوب يتمتع بالكفاءة الاقتصادية”، وأنه بذلك “سيختلف عن الصناديق السيادية الأخرى، التي تدير الفوائض المالية، كونها لا تتوفر في الحالة المصرية”.
لا توجد فوائض
لم يسلم صندوق مصر السيادي من نقد الخبراء الاقتصاديين، إذ أنه أنشئ في وقت تتزايد فيه مديونيات الدولة، ويقول الخبير الاقتصادي أحمد النجار: “إن مصر دولة تعاني من عجز مالي، سواء عجز الحساب الجاري، أو عجز الميزان التجاري، وارتفاع الدين العام، وبالتالي فإن الظروف المالية لإنشاء أي صندوق سيادي لإدارة الفوائض غير موجودة من الأساس في مصر”.
تأتي تصريحات النجار تزامنا مع إعلان وزارة المالية، 12 ديسمبر الجاري، بلوغ إجمالي الدين الخارجي الحكومي في 30 يونيو الماضي نحو 109 مليارات دولار، بنسبة 33.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل نسبة 37%، في نفس الفترة من 2017.
وفي البيانات الصادرة عن الموازنة العامة للعام المالي الجاري، فقد ارتفعت فوائد القروض المحلية والأجنبية خلال العام بمقدار 160.3 مليار جنيه، بنسبة 42%، لتبلغ نحو 541.3 مليار جنيه، مقابل 380.9 مليار جنيه عن العام الماضي.
كما ارتفع إجمالي الدين العام المحلي بنسبة 20.25% على أساس سنوي، إلى 4.108 تريليونات جنيه (241.9 مليار دولار) بنهاية ديسمبر الماضي، بحسب بيانات وزارة المالية، 21 مايو الماضي، أي أن ما اقترضته مصر من يونيو 2014 إلى وقت صدور البيانات، قد تجاوز قروض مصر مجتمعة طيلة الـ50 عاما الأخيرة.
أضف تعليق