سرقة “صناديق النذور” صداع دائم في رأس وزارة الأوقاف، فلم تمنع استحداث وسائل مراقبة حديثة وفرض إجراءات مشددة سرقة الأموال التي تودع في صناديق الأضرحة، لأسباب أبرزها فساد القائمين على حماية هذه الصناديق، أو تقصيرهم عن أداء واجبهم.
أموال النذور يدفعها المواطنون للمساجد التي يوجد بها أضرحة ومقامات الأولياء، بناء على اعتقادات منهم، ويقوم بإدارتها وإنفاقها لجان مشتركة من الأوقاف والطرق الصوفية ووزارة الداخلية، ومن يقوم على شئون كل مسجد.
فأمام صندوق خشبي أو نحاسي مقيد بالسلاسل يقف مرتادو الأضرحة ليضعوا ورقة عملة أو قطعة ذهبية، تحمل كل منها حكاية، وتتعدد الأسباب والهدف واحد هو التقرب إلى الله وإيفاء نذر قطعه صاحبه على نفسه لقضاء حاجة من حاجاته.
وتجمع وزارة الأوقاف، سنويا الملايين من الجنيهات، من حصيلة صناديق النذور، وتتنوع النذور بين الأموال والذهب والأشياء العينية.
سرقة صناديق النذور
وبين الحين والآخر تعلن وزارة الأوقاف عن وقف عاملين أو مسئولين وإحالتهم للنيابة في اتهامات تتعلق بسرقة صناديق النذور، آخر تلك الوقائع ما أعلنت عنه الوزارة الخميس الماضي، بإنهاء تعاقد ماهر عبد الرحيم القنائي فؤاد، أخصائي نظم معلومات بمركز المعلومات بديوان عام الوزارة، مع إحالته إلى النيابة العامة بشأن ما نسب إليه من مخالفات أثناء فتح صناديق النذور بمسجد السيدة زينب بتاريخ 3 ديسمبر الجاري.
كما أعلنت الوزارة أن محمد مختار جمعة وزير الأوقاف قرر وقف كل من:
- الشيخ عبد الناصر نسيم أمين.
- الشيخ محمد جمال عبد اللطيف.
- عماد قرنه أبو عميرة.
وذلك لمدة ثلاثة أشهر، أو لحين انتهاء التحقيقات أيهما أقرب، مع إحالتهم إلى النيابة العامة والنيابة الإدارية، للنظر في المخالفات المنسوبة إليهم، والتي تتصل بالتقصير الشديد في الواجب الوظيفي والخروج عن مقتضياته.
تعرض صناديق مسجد السيدة زينب لسرقات لم تكن الحادثة الأولى، ففي مايو الماضي، صرح بعض مسئولي صناديق النذور بابتداع اللصوص حيلا متعددة لسرقة أموال التبرعات، منها استخدام سيخ حديد على شكل شوكة لإخراج العملات الورقية من فتحة الصندوق.
ودلل أحد العاملين بمسجد السيدة زينب على سرقة النذور، بوجود إحصائيات مختلفة عنها بين العام والآخر، إذ أعلن وزير الأوقاف في فبراير الماضي أن إيرادات الصناديق 32 مليون جنيه، رغم أن إيراد مسجد السيدة زينب وحده اقترب من الـ36 مليونا منذ عامين، والسيدة نفيسة 32 مليونا، وبلغت إيرادات مسجد الحسين في أسبوع مولده فقط 120 ألف جنيه.
وأضاف أن وسائل المراقبة لم تمنع عمليات السرقة، إذ إن كاميرات المراقبة الموجودة في مسجد السيدة زينب لا تعمل بالشكل المطلوب، وإحداها معطلة منذ أكثر من شهرين.
قصة صناديق النذور
ويوجد فى مصر 179 مسجدا تضم صناديق للنذور، منها 32 مسجدا في القاهرة وحدها، أكبرها في حصيلة النذور مسجد السيدة زينب، وعادة ما يتم فتح صندوق النذور كل ثلاثة أيام أو أسبوع على الأكثر.
وأشهر وأكبر مساجد النذور في مصر، هي الحسين، والسيدة نفيسة، والسيدة زينب بالقاهرة، وأيضا المرسي أبو العباس في الإسكندرية، والسيد البدوي بمحافظة الغربية، وإبراهيم الدسوقي بمحافظة كفر الشيخ، وعبدالرحيم القنائي في صعيد مصر.
وطبقا للقانون رقم 118 لسنة 1976، المنظم لمصارف النذور، فهناك حصص مقررة لهذه النذور، منها 10% مخصصة للطرق الصوفية، ونسبة يحصل عليها العاملون في المسجد بحد أقصى 300 جنيه شهريا، بينما يحصل أمين المكتبة، وكاتب النذور، ومقيم الشعائر، على حد أقصى مائة جنيه شهريا، ويجرى إنفاق 10% على المسجد.
إجراءات مشددة
وفي محاولة للسيطرة على سرقات صناديق النذور، لجأت وزارة الأوقاف لعدة إجراءات للحد من السرقة، من بينها:
- استخدام صناديق أكثر أمانا.
- تشكيل لجان مكونة من 4 أفراد أثناء فتح الصناديق، وفي المساجد الكبرى يباشر الوزير بنفسه عملية فتح الصندوق من خلال الفيديو كونفرانس.
- إضافة دخول نظام الرقمنة على حسابات هذه الأرصدة.
- تركيب كاميرات مراقبة بمساجد آل البيت الكبرى.
أعلى عائد
وفي أكتوبر الماضي، حققت صناديق النذور أعلى عائد شهري في تاريخها، إذ بلغت نحو 4 ملايين ومائة وثلاثين ألف جنيه.
وقال جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف: إن الأربعة أشهر الأولى من العام المالي الجاري حققت إيرادات قدرها 12 مليونا و749 ألفا و426 ألف جنيه، بزيادة قدرها 849 ألفا و116 جنيها عن ذات الفترة من العام الماضي.
وقال رئيس القطاع الديني: إن هناك صناديق نذور يجرى فتحها أسبوعيا، وهي التي تتبع المساجد الكبرى، مثل الحسين، والسيدة زينب، والسيد البدوي، وأخرى يجرى فتحها شهريا، مثل مسجد عبد الرحيم القنائي بمحافظة قنا.
ويحتل مسجد السيدة زينب المرتبة الأولى بين صناديق النذور، إذ يتوافد عليه أعداد غفيرة من المصريين والعرب والمسلمين والأجانب، والذين يودعون في الصناديق بالدولار واليورو، تقربا إلى الله تعالى، وتبركا بـ”السيدة زينب”، حسب اعتقادهم.
فيما يرى مراقبون، أن الأرقام التي تعلنها وزارة الأوقاف بشكل دوري عن أموال النذور، ومنها الرقم الذي أعلنته مؤخرا لا يمثّل أية مشكلة، فهو يدخل ضمن إطار رسمي.
لكنّ الأزمة تكمن في دخل المساجد والأضرحة غير المسجّلة، الذي يصل إلى ملياري جنيه سنويا، ويقسم هذا العائد على خمس جهات وهي: الأوقاف، والأزهر، ووزارة التنمية المحلية، ووزارة الثقافة، ووزارة الداخلية، إضافة إلى جهة غير حكومية هي “المجلس الأعلى للطرق الصوفية”، الذي يحصل على 10% من هذه الأموال.
أضف تعليق