انهيار عقارات وتدمير منازل، غرق شوارع وشلل مروري، كوارث بشرية تصل لحد وقوع وفيات، كل هذه المشاهد وأكثر تتكرر كل عام في مثل هذه الفترة، بسبب أمطار وسيول، تسبقها تصريحات مختلفة لمسئولين، هنا وهناك عن الاستعدادات والاحتياطات.
وقبيل سقوط أمطار وسيول تمتلئ صفحات الصحف بعبارات مثل: “الري ترفع درجة الاستعداد القصوى”، و”طوارئ بالمحافظات على مدار الساعة استعدادا لموسم الأمطار”، و”الصرف الصحي يتابع تسليك الشنايش والبالوعات والشنايش”، و”تعرّف على خطة الوزراء لمواجهة الشتاء”، وغيرها من التصريحات التي تبث الأمل، وتبعث الطمأنينة.
غير أن الواقع يأتي ليكشف عكس ذلك تماما، وفي مشهد متكرر تغرق البلاد في “شبر مية” مع أولى اختبارات الشتاء الذي ما زال في مرحلة طرق الأبواب، وسرعان ما تتبدل تصريحات المسئولين، وتتحول إلى التبرير والوعود، بل وإعلان العجز عن مواجهة ظاهرة طبيعية تتكرر كل عام.
أمطار وسيول
أحد التصريحات عن سقوط أمطار وسيول في مصر، ما صدر عن مجلس الوزراء في 23 أكتوبر الماضي خلال اجتماعه، لبحث أزمة غرق القاهرة والمحافظات الكبرى في أول سقوط للأمطار خلال هذا العام.
وقالت الحكومة: “إنّه لا يوجد شبكة تصريف أمطار في مدننا المختلفة، فمدننا القائمة جرى تخطيطها دون هذه الشبكة، نظرا لأنّ بلادنا من البلاد الجافة، ولأنّ تكلفة إنشاء شبكة منفصلة لتصريف الأمطار تتكلف مليارات الجنيهات، وإمكاناتنا المالية لا تسمح بذلك” وفقا لنادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء.
متحدث الوزراء أشار إلى أن الدولة “تحشد طاقاتها، وترفع من كفاءة جميع أجهزتها، وتوجه بتكاتفها للتعامل الأمثل مع تلك الظروف، في ظل الإمكانات المتاحة”.
ولم يكد يمر ثلاثة أسابيع على كارثة غرق القاهرة وعدد من المحافظات في 23 أكتوبر الماضي، وما خلفته من وفيات وانهيار عقارات، وهبوط طرق، وتعطّل مصالح المواطنين وغيره، حتى مُنيت البلاد، أمس، بتدمير مئات البيوت، وغرق مناطق بأكملها في مدينة حلايب.
وتشهد حلايب حاليا انقطاع جميع الخدمات عنها، وتشريد مئات الأسر، جراء سقوط أمطار وسيول، رغم توقعات وتحذيرات خبراء الأرصاد.
وعن أسباب تكرار المشهد المأساوي بصورة أشد حدة رغم حشد الدولة لطاقاتها، وتكاتف الأجهزة المعنية، لمواجهة ظاهرة مسبوقة التوقع، كان لكل مسئول في مكانه رأيه.
فقال عادل حسن زكي، رئيس شركة الصرف الصحي بالقاهرة، في تصريحات صحفية: إن خطة الشبكة للتعامل مع سقوط أمطار وسيول تعتمد على ثلاثة محاور رئيسة، هي:
- تطهير بالوعات الصرف الصحي، وبالوعات الأمطار، ومخرات السيول، والشنايش، بالاشتراك مع المحافظة، ويكون دورهم التطهير ودور الأحياء إصلاح الكسور أو العيوب، وذلك بداية شهر سبتمبر.
- التنسيق على مدار الساعة مع هيئة الأرصاد الجوية في حالة توقع سقوط أمطار، وتنفيذ خطة انتشار لثمانين مُعِدة شفط، يُجرى نشرها على مختلف مناطق القاهرة، بمجرد الحصول على إخطار من الأرصاد باحتمال سقوط أمطار.
- مناورات على حسب شدة الأمطار، فإذا كان سقوط الأمطار على موقع معين قليلا يُجرى سحب جزء من المعدات في هذه المنطقة، والدفع بها في منطقة تواجه كمية أكبر، وذلك بعد وقوع الحدث نفسه، وهو سقوط أمطار وسيول.
تغيرات مناخية ومعوقات
ويشير زكي إلى مشكلات عديدة، تقف حائلا دون تنفيذ المحاور الثلاثة على أكمل وجه، أبرزها:
- تهالك شبكة الصرف الصحي، إذ يبلغ عمر هذه الشبكة 105 أعوام، جرى تأسيسها عام 1914.
- ضعف قدرة شبكات الصرف الصحي عن استيعاب الأمطار والسيول إذا تخطت قدراتها، فعلى سبيل المثال: شبكة الصرف الصحي في العاصمة يمكنها تحمّل أمطارا تصل كثافتها حتى أربعة ملليمترات، وإذا تجاوزت الأمطار حاجز الأربعة ملليمترات تعجز عن استيعابه، وتلجأ الشركة لقطع مياه الشرب عن المواطنين، لخلق مساحة داخل الشبكة، تستوعب مياه الأمطار.
- عدم وجود شبكة صرف، خاصة بوجود أمطار وسيول، إذ إن شبكة الصرف في جميع محافظات مصر، بما فيها تلك التي تسقط عليها الأمطار بغزارة كالإسكندرية، عبارة عن شبكة مجمعة ومدمجة بين الصرف الصحي وصرف الأمطار.
وفي السياق، يرى صابر عثمان، مدير إدارة التكيف المناخي بوزارة البيئة، أنه وفقا للدراسات الموجودة لديهم، فإن التغيرات المناخية تؤثر على ثلاثة قطاعات رئيسة هي: (الزراعة – السواحل – الموارد المائية لنهر النيل).
وأوضح عثمان، في تصريحات صحفية، أن التغيرات المناخية تعتمد على ثلاثة مبادئ؛ الحدة، والشدة، والتكرارية، فإذا كانت كمية معينة من المياه تسقط على مدار فصل الشتاء كاملا يمكن للتغيرات المناخية المتطرفة أن تجعلها تسقط في أسبوع واحد أو أيام بعينها أو تركزها على مناطق دون غيرها، وهو ما حدث مؤخرا في مصر، فظهر الضرر أكثر حدة، ولم تتحمله البنية التحتية، وبالتالي خلّف كوارث.
تحقيقات النيابة
وعلى صعيد آخر متعلق، حققت النيابة الإدارية في واقعة غرق مصر الجديدة، 23 أكتوبر الماضي، للوقوف على الأسباب الفنية والموضوعية التي أدت إلى وقوع الأزمة، وتبين لها الآتي:
- أنه عقب سقوط الأمطار بكثافة، فاقت القدرة الاستيعابية لمحطات الرفع، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه بعدد من محطات الرفع، وارتدادها مرة أخرى.
- ارتداد المياه أحدث تجمعات مائية كبيرة، أخذت طريقها لمحطات محولات الكهرباء، فانقطع التيار، وتوقفت معه بعض محطات الرفع بالمدينة لفترات طويلة، وصلت لعدة ساعات.
- هناك خلل جسيم بنظام الصرف، ونقص في عدد سيارات الصرف، إضافة إلى بطء الأجهزة في التحرك، نحو أماكن تجمعات المياه.
- وجود أعطال جسيمة وجوهرية بالعديد من الطلمبات ومولدات الكهرباء وشبكات الحريق، وبعض لوحات التحكم الرئيسة لتشغيل الطلمبات الخاصة بنظام الصرف الصحي بالقاهرة.
أضف تعليق