“ماشية بالبركة”.. كلمة لخص بها أحد الكتاب الصحفيين المشاركين في النسخة الثانية من “منتدى إعلام مصر” أزمات المهنة، وسط تساؤلات عن وضع الإعلام في مصر، والأزمات التي تعصف به منذ سنوات، في ظل زحف واضح وسريع من وسائل التواصل الاجتماعي لتحل محل أشكال الإعلام التقليدية.
في المنتدى الذي استمرت فعالياته يوميْ الأحد والاثنين الماضيين، صرح إعلاميون مشاركون أن إعلام مصر تعصف به أزمات عديدة، أبرزها افتقاده للدعم المادي والمهني، وافتقاره للإدارة، وانهيار مصداقية الصحفي، بسبب عدم تأهيله، ودخول منتحلي الصفة إلى المهنة.
لا علاقة
ومن جانبه، قال الكاتب الصحفي، عبد الله السناوي: “إن أوضاع الصحافة في مصر، لا علاقة لها بالصحافة الجيدة، ولا الصحافة من الأساس، فهي غير مواكبة لتطورات الحدث، ولا تضيف جديدا، ولا تقوم بمعاييرها المعروفة والأساسية، وليس لها قريب حتى بالإخبار والتثقيف”.
وأرجع السناوي، أسباب تدني جودة صحافة وإعلام مصر إلى الانهيار الحادث في مصداقية الصحفي، ومستوى الخدمة، بسبب عدم تأهيل الصحفيين، قائلا: “بقت الصحافة ماشية بالبركة، ولم يعد هناك أحد يخبرنا في الصحف ما الذي يحدث، بخلاف ما رأيناه على القنوات والسوشيال ميديا”، مضيفا: “أن إعلام مصر وصحافته يمران حاليا بأسوأ حال لهما”.
فيما انتقد الصحفي جمال فهمي، ما تردد من بعض المشاركين، موضحا أن ما يُقال حول أن عودة وزارة الإعلام ضمانة للحرية الإعلامية هو “عبث”.
وقال ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات: “إن الحالة الإعلامية لا تُرضي لا صناع المهنة، ولا الجمهور، وهناك اعتراف بذلك، وهناك بالطبع قيود وُضعت”، متابعا: “نحن مسئولون عما وصلنا له في المشهد، ومنتحلو الصفة هم السبب في هز صورة الصحفي في المجتمع”.
هامش الحرية
بينما قال الكاتب الصحفي جمال فهمي: “إن حصول إعلام مصر على الحرية اللازمة للقيام بدوره مرتبط بالتطور السياسي في المجتمع”، مشيرا إلى أن “المجال العام الآن يضيق جدا”.
وطالب الكاتب الصحفي، أحمد سمير، بزيادة هامش الحرية في الصحافة، باعتباره أحد أهم الأدوات التي تساهم في ارتفاع مستوى المهنة التي عانت مؤخرا، موضحا أن الناس اعتبرت السوشيال ميديا بديلا، بسبب غياب الصحافة الجيدة.
وأكد سمير أن دور الصحافة يتمثّل في التحقق والانحياز للجمهور، وأنّ الصحيفة إذا لم تنشر الخبر مستعرضة الآراء كافة من مختلف الأطراف، فهذا لن يكون إعلاما، مشيرا في الوقت نفسه إلى رغبة الصحفيين في ذلك، لكن إعلام مصر لديه “عوامل أخرى تتحكم فيه”.
وفي الأزمة نفسها، قال الكاتب عماد الدين حسين، رئيس تحرير الشروق: “إن هناك تضييقا على الحريات، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، وأنه لا بد من العمل على حل الأزمة، لكن 60% من المجتمع غير مستعد للحريات”.
وتابع: “المهنية وحرية الرأي التي تطبق في أي زمان ومكان تعد وهما كبيرا”، والعالم الغربي يتمتع بقوى متوازنة؛ لذلك أموره في الإعلام مستقرة إلى حد ما، مستطردا أن مشكلة إعلام مصر في الوقت الحالي ليست حرية فقط، لكن مشكلة صناعة بأكملها.
تراجع الثقة
بدوره، لفت ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي، إلى أن معدلات الثقة في الصحافة العربية أظهرت تراجعا بنسبة 42% في عام (2019/2018)، وفقا لاستفتاء جرى على 7000 شخص، بينهم مصريين، ونصف المبحوثين العرب يعتقدون أن الأخبار السياسية مغلوطة.
وقال رئيس تحرير الأهرام ويكلي، عزت إبراهيم: “إنه بعد التخوف من انقراض الصحافة الورقية، أصبح التخوف الآن من انقراض الصحافة بشكل عام، في ظل التوسع الكبير لدور وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأضاف إبراهيم: “أن إعلام مصر يعاني فقرا شديدا في المحتوى الصحفي، خاصة بعد توقف الإنفاق على تطوير صالات التحرير، وأصبح الالتزام الوحيد هو توفير الرواتب دون الالتفات للمحتوى الحقيقي”.
وتابع: “القارئ يبحث عن المحتوى الجيد، ولذلك نرى أن هناك متابعات إخبارية لمواقع خارج مصر بشكل أعلى”.
صناعة التعصب
وفي سياق متصل، قال الناقد الرياضي، حسن المستكاوي: “إن منظومة الإعلام الرياضي العربي بشكل عام تعاني من خلل، وعلى مدار 40 عاما تسببت في صناعة التعصب، إذ تستخدم أقوالا في غير مواضعها، بهدف المزيد من التأجيج”.
وأشار المستكاوي إلى أنه انسحب من لجنة الإعلام الرياضي بسبب عدم تفعيل مدونة السلوك الرياضي، إذ يرى أن إعلام مصر الرياضي يحتاجها بشكل جدّي.
فيما قال محمد سراج الدين: “إن غياب الجمهور من الملاعب لم يحل أزمة الفتنة والتعصب، بل تفاقمت على منصات التواصل الاجتماعي”، وأشار إلى خطورة استفزاز الجماهير، قائلا: “من وجهة نظري شغب بعض المسئولين على الشاشات أخطر من شغب الجماهير في المدرجات”.
بينما حمل لاعب الزمالك السابق، محمد أبو العلا، سبب الاحتقان الرياضي إلى المسئولين، مؤكدا أن الساحة تحتاج قوانين لضبط التلاسن، ومنع التعصب على مواقع التواصل، ومشيرا إلى أن منظومة الرياضة فشلت حتى اللحظة في التعامل مع كرة القدم كصناعة تستطيع أن تُدر دخلا للاقتصاد المصري.
إدارة وسيولة
أما علاء الغطريفي، رئيس التحرير التنفيذي لمؤسسة “أونا” للصحافة والإعلام، فقال: “إن أهم التحديات التي تواجههم هي الموضوعية، وعدم التحيز لقضايا بعينها”، وإن دور الإعلام هو نقل المعلومة او الخبر بموضوعية وشفافية للمتلقي.
وأضاف الغطريفي: “أن إعلام مصر يفتقر حاليا إلى التمويل المادي والمهنية، وهناك الكثير من شباب الصحفيين الذين لديهم إمكانيات كبيرة، ولم يجدوا فرصة داخل مؤسساتهم أو خارجها”.
تأتي هذه الأزمات التي كشفها “منتدى إعلام مصر” بالتزامن مع اعتراضات على عقوبات وجزاءات المجلس الأعلى للإعلام، وغلق العديد من القنوات والبرامج وفق لوائح المجلس، بالإضافة للتوسع في حجب المواقع الإخبارية داخل مصر.
أضف تعليق