“الهجرة من المحافظات إلى القاهرة”، أحد الظواهر المعروفة منذ زمن بعيد التي باتت تمثل مشكلة في الفترة الحالية وتحظى باهتمام المسئولين لما لها من آثار سلبية كزحام السكن والمواصلات في عاصمة مصر، التي يقطنها ما يقارب خُمس سكان المحروسة.
وفي سياق الهجرة من المحافظات إلى القاهرة، كشفت دراسة إحصائية حديثة، صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تحت عنوان أثر الهجرة الداخلية على النمو الحضري في إقليم القاهرة الكبرى، عن أن الإسكندرية من المحافظات الأعلى في نسب الهجرة إلى القاهرة، بنسبة تصل إلى 13.6% من إجمالي عدد الهجرة من المحافظات الأخرى.
وجاءت محافظة الشرقية في المركز الثاني، بنسبة 9.4%، ثم محافظة السويس في المركز الثالث بنسبة 8.5%، بينما كانت الأقصر أقل المحافظات هجرة للقاهرة إذ بلغت نسبة 0.3 %.
الهجرة من المحافظات
وعن أسباب ظاهرة الهجرة بين المحافظات، أجمع الباحثون وعلماء الاجتماع على أن البحث عن حياة أفضل يعد السبب الرئيس، فمن جهته، قال مصطفى النشرتي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا: إن الأسباب الرئيسية لنزوح سكان المحافظات وعلى رأسها الصعيد، هو صعوبة الظروف المعيشية وغياب الخدمات في أغلب المدن.
ويصف تلك المحافظات بأنها أصبحت طاردة للسكان لعدم توفير فرص العمل التي تدر دخلا يفي بمتطلبات الحياة، مرجعا ذلك لأسباب عديدة من بينها:
- تقليص الرقعة الزراعية التي تعد الحرفة الرئيسية للسكان.
- سن قوانين تحدد المساحات المسموح بزراعتها.
- تغليظ القوانين الخاصة بالبناء على الأراضي الزراعية واعتباره تعديا من قبل الفلاح.
- غياب المشروعات التي توفر فرص عمل بأجور مناسبة.
أما محمود عتيق، محافظ سوهاج السابق، فأضاف إلى ما سبق، أن إهمال التنمية وعدم اهتمام من المسئولين بتوفير المنشآت الخدمية كالتعليم والصحة، من أهم الأسباب للهجرة.
واتفق النشرتي وعتيق، في أنه يجب على الدولة أن تولي مزيدا من الاهتمام بتلك المحافظات، ويشير عتيق إلى تصريح محمد هاشم، مستشار وزيرة التضامن الاجتماعي للأشغال العامة، في 28 فبراير من العام الماضي، إذ قال: “إن خدمة توصيل الصرف الصحي للمنازل في القرى والمناطق الريفية لا تغطي سوى 20% فقط”.
وتؤكد أرقام تقرير التنمية البشرية لعام 2008 أن الفقر يستوطن الصعيد بشكل أساسي، إذ توجد 762 قرية في محافظات المنيا وسوهاج وأسيوط، من بين أفقر قرى مصر وتوجد 59 قرية منها في محافظة سوهاج وحدها.
هجرة للبقاء
فيما طالب النشرتي، بتطبيق اللامركزية وتوزيع الاستثمار بعدالة على جميع المحافظات، إذ تتمركز 70% من الصناعات المصرية في محافظات القاهرة والإسكندرية والشرقية، فأصبحت هذه المحافظات الثلاثة الأكثر جذبا للسكان، وتستوعب أكثر من طاقتها.
ووصف أيمن زهري، رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة، الباحث في شئون الهجرة والسكان، في تصريحات صحفية، ظاهرة الهجرة من المحافظات إلى القاهرة بأنها من الظواهر المستقرة منذ زمن بعيد.
وبحسب الباحث، فإن الهجرة من المحافظات إلى القاهرة يمكن تقسيمها إلى فترتين أساسيتين، ما قبل ثورة يوليو 1952 وما بعدها.
وقد تميزت فترة ما قبل الثورة بتيار هجرة ضعيف ولكن مستقر، وكانت الهجرة للقاهرة يتجه إليها صفوة أبناء الريف الذين كانوا يقصدونها بحثا عن فرص تعليم أفضل أو الحصول على خدمات صحية وثقافية لم تكن موجودة في المحافظات، بحسب زهيري.
ويرى زهري أن الأمر اختلف تماما بعد ثورة 52، في ظل تحول مصر من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي، وإقامة مناطق صناعية عديدة حول القاهرة لتبدأ مرحلة جديدة من الهجرة الداخلية في مصر، كان قوامها الطبقة العمالية.
ووفقا للباحث، فإنه قد حدث تحول كبير في نوعية هؤلاء المهاجرين، إذ أصبحت القاهرة تستقبل سيلا من العاطلين من الأميين وحملة الشهادات المتوسطة وبعض حملة المؤهلات العليا للعمل في الأعمال الدنيا التي يوفرها القطاع غير الرسمي في اقتصاد العاصمة.
وأوضح أن أسباب ارتفاع معدل الهجرة إلى القاهرة في العقود القريبة يرجع إلى أسباب كثيرة بخلاف تقلص الرقعة الزراعية، منها:
- الزيادة السكانية الرهيبة.
- ترهل الجهاز الإداري للدولة.
- انتشار البطالة.
- تدهور أحوال التعليم والأحوال الاجتماعية في الريف وفي محافظات مصر المختلفة.
- انحسار فرص الهجرة للخارج.
ولفت إلى أن الدراسات التي أجرتها الجمعية رصدت أن معظم هؤلاء المهاجرين يعيشون في ظروف صعبة ويتعرضون لمطاردة شرطة المرافق، كما أن بعضهم يقيمون في المباني تحت الإنشاء التي يعملون بها، ويضطر بعضهم للإقامة في أماكن غير آدمية.
وأكد زهري أن هجرة أبناء المحافظات إلى القاهرة ليست اختيارية كما يتخيل البعض ولكنها من أجل الحصول على أدنى مقومات الحياة، التي يفتقدها أمثالهم في محافظاتهم، معتبرا إياها “هجرة من أجل البقاء”.
خطة تنفيذية
من جهتها، أعلنت وزارة التنمية المحلية، بالتنسيق مع عدد من الوزارات والجهات، في يونيو الماضي عن خطة تنفيذية، للحد من الهجرة من المحافظات إلى القاهرة.
وقال محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، في بيان له: إن الوزارة وعددا من الوزارات المعنية بالحكومة، تعمل على منع وتقليل الهجرة الداخلية، وجرى بحث تلك الأسباب والفرص التنموية في كل محافظة طبقا لما لديها من إمكانيات والعمل على تنفيذ الآتي:
- تنفيذ تكتلات اقتصادية صغيرة وكبيرة لتوفير فرص عمل.
- الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
- إيجاد قرى ذات المنتج الواحد على المدى البعيد.
- مشروع الإسكان الاجتماعي وإنشاء مليون وحدة سكنية على مستوى المحافظات.
- التوسع في الخدمات المعيشية وتغطية الصرف الصحي بتلك المحافظات.
أضف تعليق