وسط الحديث عن مشاكل التعليم الفني في مصر، وسبل النهوض به، وعمليات تطوير المدارس الفنية الصناعية، انتقلت الدفة إلى خطوات تحويل المدارس الفنية الصناعية للبنين إلى مدارس فنية عسكرية تحقيقا للانضباط والانتماء.
وتبرز تساؤلات عن هدف الانضباط والانتماء المراد تحقيقه، بخصوص كونهما وحدهما كافيين لإنقاذ هذا النوع من التعليم، بدون وجود استراتيجية وأفكار للتطوير، وكأن التعليم في مصر بخلاف التعليم الفني يتسم بالانضباط ويتصف بالانتماء.
الانضباط والانتماء
على مدى الأيام الماضية بدأت خطوات تحويل المدارس الفنية الصناعية للبنين إلى مدارس عسكرية، عقب الحديث عن خطة لتطوير 27 مدرسة صناعية بواقع مدرسة في كل محافظة من محافظات الجمهورية.
حيث كشف محمد مجاهد، نائب وزير التربية والتعليم لشئون التعليم الفني، أنه سيجرى تحويل المدارس الفنية الصناعية للبنين إلى عسكرية، وأضاف أن الهدف من ذلك هو تحقيق الانضباط بين الطلاب.
وأوضح مجاهد، أن تحويل المدارس لعسكرية سوف يساهم في زيادة نسبة الإقبال عليها من جانب الطلاب وأولياء أمورهم.
وتعدى الأمر المهتمين بالشأن التعليمي ليجد صدى عند نواب البرلمان، والذين رأوه حلا سحريا لتحقيق الانضباط المفقود في هذه المدارس، وتأهيل خريجيها للالتحاق بسوق العمل مباشرة عقب التخرج.
تربية عسكرية
وجاءت تلك الخطوات عقب توقيع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، بروتوكول تعاون مع قيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري بوزارة الدفاع، لتحسين حالة انضباط الطلاب وانتمائهم للوطن، عن طريق استغلال السنة الأولى بمدارس التعليم الفني كفترة تأسيس عسكري للطلاب، على أن تعتبر تلك المقررات العسكرية مواد نجاح ورسوب.
النائب مصطفى كمال، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بالبرلمان، رأى أن هذه خطوة إيجابية، لأنها ستجعل الدراسة تنتظم بهذه المدارس، مضيفا: “الشعب المصري يثق كثيرا في المؤسسات العسكرية”.
أما النائب خالد مشهور، عضو مجلس النواب، فنوه إلى إتاحة هذه المدارس فرصة أكبر لخريجيها للالتحاق بالكليات الحربية، فيما رحب أولياء أمور بالخطوة، إذ رأى أحدهم أنها كفيلة بالقضاء على بعض المشكلات منها: الغياب المستمر، وممارسة بعض الطلاب لأعمال العنف داخل المدرسة.
وأضاف أن هذا النوع من التعليم هو مستقبل الصناعة والمشروعات القومية التي تنفذها الدولة المصرية، وقال ولي أمر آخر في تصريحات صحفية: “التربية العسكرية ستجعل من شخصية الطالب قائدا ومتعلما في نفس الوقت”.
التعليم الفني
وترجع بداية التعليم الفني في مصر، لعهد محمد علي، الذي أنشأ “مدرسة محمد علي الصناعية الفنية”، وقام بإرسال الطلاب في بعثات لدول أوروبا حتى يحصلوا كل ما هو حديث وجديد في التعليم الفني ويعودوا لتطبيقه، قبل أن يطاله التردي وتسيطر عليه الأزمات والفشل في جوانب متعددة.
مع ذلك يعتقد كثير من الخبراء، أن الأسر بدأت تتجه نحو التعليم الفني، ليس إيمانا منهم بحدوث تطور فيه، ولا تغير في النظرة إليه، ولكن فرارا من التعليم العام بمشكلاته ومساوئه، وتحول طلابه إلى فئران تجارب، على يد القيادات التعليمية، خاصة بعد معاناة طلاب الصف الأول الثانوي العام الماضي، والذي انتهى الحال ببعضهم إلى النزول في الشارع والتظاهر والسجن.
فى المقابل يرى أحمد حسني الحيوي، أمين عام صندوق تطوير التعليم، أن كثيرا من الأسر المصرية في الفيوم وأسيوط تقبل على التعليم الفني، مؤكدا أنه حاليّا تغيرت النظرة المجتمعية تجاه هذا النوع من التعليم.
وأوضح أمين عام صندوق تطوير التعليم، أن التعليم الصناعي ظل لفترات طويلة يعاني مشكلات كثيرة، أبرزها ضعف البنية التحتية للمدارس، وعدم حضور الطلاب، والصورة الذهنية السلبية عن التعليم الفني والذي ارتبط بالفقراء، وضعف المجموع.
من جهتهم أوضح مدرسون بالتعليم الفني أنهم يعانون القهر وإهدار حقوقهم، ونظرة المجتمع السلبية لهم، مضيفين أن أولى مشاكل التعليم الفني هي النظرة المجتمعية، وشعور المدرس أنه أقل من مدرس التعليم العام.
أزمات تعرقل التعليم
وعلى الرغم من الاهتمام الدولي الكبير بالتعليم الفني باعتباره أحد أهم الأعمدة الرئيسية التي ساهمت في نهضة الدول، يظل بلا حاضر في مصر ولا مستقبل.
وقد رصدت إحدى الدراسات عدة أزمات تعرقل التعليم الفني في مصر منها:
- سياسات القبول المفتوحة بالمدارس.
- اختيار الطلاب الأقل مجموعا في المرحلة الإعدادية.
- إهمال المباني.
- قدم الأجهزة والمعدات والورش وتلفها مع صعوبة التخلص منها.
- ضعف إمكانيات مدربي ومعلمي المواد العملية.
- ضعف التوجيه الفني الفعال والمتابعة الدائمة.
- ضعف الميزانية المخصصة.
- الفجوة بين مخرجات التعليم الفني واحتياجات سوق العمل.
- النظرة المجتمعية.
- العجز الشديد في معلمي بعض التخصصات نتيجة وقف التعيينات.
- ضعف مشاركة رجال الأعمال والمستثمرين في التمويل.
- تدني مستوى المناهج.
حلول عاجلة
فى المقابل وضعت بعض الدراسات حلولا وأفكارا لانتشال التعليم الفني من أزمته منها:
- الربط بين مخرجات التعليم الفني واحتياجات سوق العمل.
- تحسين النظرة إلى المدارس الفنية.
- تدريب المعلمين والإداريين.
- تطوير الخطط الدراسية والمناهج وطرق التدريس والتقويم.
- إدخال برامج لتدريب المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة مع الاهتمام بالحرف والصناعات التقليدية.
- التشجيع على الاستثمار في مجال الدبلومات الفنية.
ومع كل حديث عن تطوير هذا النوع من التعليم، يقترب الأمل ثم ما يلبث أن يهرب مرة أخرى، وكأنه اعتراف بالأمر الواقع، حتى الدولة أنشأت وزارة للتعليم الفني ثم ألغتها و دمجتها في وزارة التعليم، ليعود التعليم الفني كما كان تائها ينتظر أن تمتد له يد الرعاية والاهتمام من جديد.
في حين تقف دول مجاورة على خطط فنية لإعداد جيل قادر على التصنيع والإبداع، وتراه استثمارا قوميا يحقق عوائد مادية.
أضف تعليق