تتنوع احتياجات المواطنين ومتطلباتهم في استقبال الأعياد ومنها عيد الأضحى المبارك، ففي الوقت الذي يتجهز فيه البعض بشراء الأضحية أو السفر لأداء قضاء إجازة مصيفية أو شراء ملابس جديدة، يستقبل فقراء مصر الذين تبلغ نسبتهم حوالي 35% من الشعب العيد، بطموحات مختلفة ومنها محاولة الحصول على كيلو لحمة من أضاحي العيد.
يعيش عشرات الملايين ممن تمر الأعياد بهم وكأنها لم تمر، وتأتي المناسبات تلو بعضها وكأنهم لا يعرفونها، حال بينها وبينهم الفقر والعوز والحاجة، تمتلئ بهم المدن والقرى، في انتظار تحسن الأحوال أو توافر ما يدفع عنهم الحاجة وذل السؤال.
فقراء مصر
وقبيل قدوم عيد الأضحى هذا العام، بينت الإحصائيات الرسمية التي أعلنها اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نسبة فقراء مصر وارتفاعها خلال السنوات الأخيرة، حيث زادت في عام 2017 لتصل إلى 32.5%، مقابل 27.8% في البحث السابق للجهاز عام 2015، بأي بزيادة 4.7%.
لكن منذ 2017 جرى اتخاذ الكثير من القرارات الاقتصادية التي يبدو أنها غيرت معالم خريطة الفقر في مصر، وعمقت آثارها.
وقال بركات، خلال كلمته بمؤتمر إعلان نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، وخريطة الفقر لعام 2017 / 2018: إن محافظتي أسيوط وسوهاج الأعلى فقرا في مصر، بنسبة 67% و60% على التوالي.
موضحا أن 12.5 مليون مواطن بالصعيد، يمثلون 52% من سكان ريف الوجه القبلي، لا يستطيعون الوفاء بالالتزامات والاحتياجات الأسرية سنويا.
عيد الفقراء
النسبة الرسمية المعلنة بشأن فقراء مصر وارتفاعها خلال السنوات الأخيرة، جاءت بالتزامن مع حلول عيد الأضحى، وهو ما يثير الانتباه عن عيد الفقراء وكيف يحتفل به عدد هائل من السكان يقتربون من نصف الشعب، بل يزيدون على النصف بحسب تقارير دولية أخرى.
وأوضح تقرير صادر عن البنك الدولي أن نسبة الفقر في مصر تجاوزت حاجز الـ60%، وأعلن البنك الدولي، فى شهر أبريل الماضي، أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا، وأن هناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ تتراوح من 7% في محافظة بورسعيد إلى 66% في بعض محافظات الصعيد.
وأضاف البنك: أن الإصلاحات الاقتصادية أثّرت على الطبقة الوسطى، التي تواجه ارتفاع بعض تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات الاقتصادية.
كيف يقضون العيد؟
وسواء كانت نسبة فقراء مصر 35% أو 60%، فإن عددا كبيرا من ملايين المواطنين يقضون عيد الأضحى وهم لا يتوافر لديهم حدُّ الكفاية من احتياجات المعيشة، ويعانون من عدم القدرة على الحصول على الاحتياجات الضَّروريَّة بالمطلق.
البعض منهم ينتظر قدوم العيد، متوقعا وطامحا في الصدقات والزكوات التي يمنحها المقتدرون في هذه الأيام للبسطاء والمحتاجين، فربما شعروا بمعاني الفرحة بقدومها أكثر من قدوم العيد ذاته.
فيما تتجدد أحزان بعضهم وتندثر معها أحلامهم المؤجلة في شراء ثياب العيد أو نيل نصيب من الأضحية أو التنزه، فالصدقات وأموال الإحسان لا يمكن أن تطال الجميع.
وكما تساءل أحد الكتاب راصدا امتلاء الشوارع والطرقات بالأضواء، خاصة الأماكن التجارية، ووسط كل ذلك يبرز السؤال الهام: “كيف يحتفل الفقراء بالعيد أو كيف يفرحون؟ وإن كانوا لا يقدرون على الحياة في الظروف العادية، فكيف يقضون الأعياد؟”
حلم كيلو لحمة
أعرب أحد المواطنين أنه لا يستطيع شراء كيلو لحمة، قائلا: “أنتظر وأسرتي صدقات أهل الخير، يمر العيد بلا طعم ولا لون، ولا نقوى على شراء ملابس جديدة ولا طعام ولا حتى نفقات التنزه”.
فيما قالت سيدة عجوز: “لا يهمني إلا أولادي الذين يحتاجون إلى الكسوة ومستلزمات الحياة، خاصة أن عيد الأضحى معروف بكثرة التصدق والرحمة بالفقراء والمحتاجين”.
أما الطفلة البالغة من العمر 6 سنوات، فانطلقت بصوت أحلامها: “أحلم بملابس جديدة وحياة أفضل مما هي عليه الآن.. نفسي أعيد بملابس جديدة، وأركب المراجيح، وآكل لحمة كتير، بس ماما دائما تقول لي: هنجيب منين.. مفيش فلوس، وبزعل منها.. أنا عاوزة أعيش!”
وهي نماذج وعينات يكشف عنها أي حوار صحفي أو جولة بالكاميرا في الشوارع لرصد معاناة فقراء مصر والمواطنين الذين يعبرون عن الوضع الصعب الذي يعيشون فيه.
التراحم في المجتمع
النظر إلى فقراء مصر في الأعياد، أشار إليه أحد الكتاب من خلال قضية مهمة، وهي: الحاجة إلى الفرح والمرح، والاستقرار والمشاركة والاندماج في المجتمع، خاصة في مناسباته الدينية والوطنية، فالفقراء يجب ألا يُهمّشوا ولا ينعزلوا.
وبين العديد من النقاط التي دعا إليها دين الإسلام من خلال الآيات والأحاديث النبوية، ومنها:
- تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه.
- أن من مقتضيات الإيمان العمل بما تستلزمه الأخوَّة بين المؤمنين من التراحم والتوادد والتعاطف، وأن التقصير في ذلك والتهاون فيه ضعف في الإيمان.
- أن على المسلم أن يجتهد في تطهير قلبه نحو إخوانه المسلمين، فيفرح بوصول الخير إليهم، ويتألم إن أصابهم ما يضرهم، يغيث المحتاج، وينصر المظلوم، ويعين ذا الحاجة، ويتعاون معهم على الخير والبر.
- عظمة هذا الدين وكماله، بحثه على التآلف والتراحم، فيعيش المسلم بين إخوانه وفي كنفهم معززا مكرما في عسره ويسره، وقوته وضعفه، وفي سائر أحواله.
أضف تعليق