“هل هناك علاقة بين ما تقدمه الدراما وانتشار التدخين والتعاطي بين الأطفال والشباب؟” يتفق الخبراء النفسيون والإعلاميون على دور وتأثير الدراما في نشر وغرس السلوكيات والعادات سواء الإيجابية أو السلبية منها في المجتمعات، إذ تشير إحصاءات مختلفة إلى أن الدراما تعد أحد أهم أسباب التغير الطارئة على سلوكيات المجتمع المصري فى الآونة الأخيرة.
ولعل تحذيرات المعنيين بالأمر في شتى المجالات من خطورة تقديم الدراما لمشاهد التدخين على نحو يروج لها، يأتي ضمن الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية إلى الموافقة على رعاية ميثاق الشرف الأخلاقي، الذي جرى إعداده مع نقابة المهن التمثيلية لترشيد مشاهد التدخين والمخدرات في الدراما، في 2015.
حيث أكدت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء أن مشاهد التدخين والمخدرات تتراوح بين (15 إلى 20%) من المساحة الزمنية للدراما، ولفتت أن ما يقرب من 90% من الأعمال الدرامية التي تتضمن مشاهد التدخين والمخدرات تغض الطرف عن عرض تداعيات المشكلة.
فيما قالت غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي: إن الأبحاث العلمية أكدت أن 72% من الأطفال والمراهقين يستقون معلوماتهم عن التدخين والمخدرات من الدراما المصرية.
الدراما وانتشار التدخين
وخلال الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، الذي أحيته وزارة التضامن الاجتماعي اليوم، حدد المرصد الإعلامي لصندوق مكافحة الإدمان التابع للوزارة عددا من السلبيات عن الدراما وانتشار التدخين أهمها:
- الترويج لعدد من منتجات التبغ وظهورها بشكل واضح في عدد من المشاهد التلفزيونية.
- بلغ معدل تدخين الإناث في الأعمال الدرامية هذا العام 16%، وهي نسبة مقاربة للعام الماضي التي كانت 17%، وكانت بعيدة تماما عن الواقع الذي يُحدد نسبة الإناث بـ1.5% من إجمالي المدخنين.
- لا يوجد عمل خالٍ تماما من التدخين.
- رغم انخفاض عدد مشاهد التدخين في الأعمال الدرامية، إلا أن الدراما وخاصة التلفزيونية مازالت تلعب دورا سلبيا في تفشي التدخين والمخدرات وتناول الخمور، من خلال تقديم صور إيجابية عن المدخنين ومتعاطي المخدرات.
وكشف المرصد عن وجود 804 مشاهد تدخين وتعاطي مخدرات في الأعمال الدرامية، بإجمالي 17 ساعة، بنسبة بلغت 1.2%، 674 مشهد تدخين بإجمالي 14 ساعة، فيما بلغت مشاهد التعاطي 130 مشهدا بإجمالي ثلاث ساعات، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر رمضان.
اتهامات وسلبيات
ومن جهته، يقول “عمرو عثمان” رئيس صندوق مكافحة الإدمان: إن الأعمال الفنية سواء الدراما أو السينما ساهمت بشكل كبير في انتشار التدخين واستخدام كثيرين للمواد المخدرة.
ونوّه إلى أن الدراما لم تتخذ موقفا مناهضا لتعاطي المخدرات، في غالبية الأعمال المعروضة في السنوات الأخيرة، مؤكدا في الوقت نفسه على أن المسلسلات تضمنت مشاهد كثيرة للتعاطي وانتشار التدخين من الجنسين، دون أدنى تحذير من مخاطر الإدمان، وتوظيف تلك المشاهد باعتبارها طقوسا عادية.
وفي السياق، يقول جمال فريوز، أستاذ الطب النفسي: “دون شك يعتبر الفن والإعلام وما تبثه الدراما المتسبب الرئيسي لانتشار الظاهرة” من خلال:
- عدم إظهار المدمن أنه هو الجاني أمام الكاميرا.
- التركيز على التأثير اللحظي على المدمن أثناء التعاطي أو ارتسام ملامح السعادة على وجه المدخن.
- حصر العقوبة، إن وجدت، في مشهد واحد بنهاية العمل.
ويوضح أن ذلك يدفع الصغار والشباب لتقليد تلك المشاهد وتكرار ذلك، حتى يصل الأمر للإدمان، مشددا على أنه يجب على الإعلام والفن تصدير سلبيات الإدمان والتركيز على العقوبة.
هدم القيم
وتتفق هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسي والاجتماعي، مع الآراء السابقة فيما يتعلق بارتباط الدراما وانتشار التدخين أنه بكل تأكيد لعبت دورا في غاية السوء والضرر في نشر المخدرات وهدم القيم الاجتماعية.
وشددت أنه لابد على المنتجين أن ينتبهوا جيدا لتلك القضية، وإنتاج أعمال تعطي رسالة توعوية تحذيرية وليس العكس.
وفي المقابل، تختلف ميرفت جودة، أستاذ الطب النفسي، حول العلاقة بين الدراما وانتشار التدخين بين الشباب، فتقول: إن تأثير الدرما بشكل عام، على سلوك الشباب والأطفال يظل مرتبطا بالتربية من قبل الأسرة والمجتمع.
وأضافت جودة أن السبب الرئيسي في تأثر الأطفال والشباب بالدراما وما بها من سلبيات، هو عدم ترسيخ الوالدين والمناهج التعليمية القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد اللائقة في النشء بالصورة الكافية، لكي يتمكنوا من محاربة ونقد الثقافات الخاطئة التي يشاهدونها.
جهود وتطلعات
ولفتت وزيرة التضامن إلى الجهود التي بذلتها الوزارة بالتعاون مع المجلس الأعلى للإعلام، للحد من التأثير السلبي للدراما فيما يتعلق بالتدخين وتعاطي المخدرات منذ توقيع الاتفاقية والمتمثلة في:
- عقد سبع مؤتمرات وورش عمل تفاعلية مع صناع الدراما.
- تشديد الرقابة على الأعمال الفنية ورصد التجاوزات.
- نقل الدراسات العلمية ورصد وتحليل مضمون مشاهد التدخين والمخدرات وتأثيرها على الأطفال والنشء خاصة.
- إنتاج أعمال فنية لرفع وعي الجمهور بمشكلة التدخين والمخدرات، منها الحملة الإعلامية مع اللاعب الدولي وسفير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان محمد صلاح.
وفي المقابل ترى سوسن فايد، أستاذ الطب النفسي بالمعهد القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الجهود المبذولة للحد من تأثير الدراما على انتشار التدخين بين الصغار، معتبَرة ولكنها غير كافية، إذ إنه مازال هناك عشوائية في التخطيط للمنظومة الإعلامية، فضلا عن الغياب التام للقيم والأخلاق عن أذهان الإعلام المصري وكذلك عدم الجدية في تطبيق العقوبات.
ولفتت إلى ضرورة التعاون بين المؤسسات المنوط بها ترسيخ القيم والأخلاق في ظل وجود آليات إعلامية جادة، والعمل ضمن منظومة واحدة لتصحيح المفاهيم المغلوطة، والحد من الظواهر السلبية في الأفلام والدراما المصرية بشكل عام ومنها التدخين وتعاطي المخدرات، ووضع ضوابط صارمة لمعاقبة المتجاوزين.
أضف تعليق