في عودة جديدة لإثارة قضية عمل المرأة مأذونة شرعية، أجازت دار الإفتاء المصرية تعيين المرأة في هذه الوظيفة، وذلك في ردها على سؤال “ما الحكم في تعيين المرأة في وظيفة مأذون من الناحية الشرعية؟”.
وقالت الدار، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “إنه يجوز تعيين المرأة في وظيفة مأذون، ومعلوم أن المأذون إنما قد أُذِنَ له من الحاكم وولي الأمر أو القاضي، فهو يقوم مقامه، وبذلك لا يقتصر عمل المأذون على التوثيق فقط، بل يمتد في بعض الأحيان إلى بعض أعمال الولاية.
وأضافت: “وما دامت المرأة لها الولاية على نفسها وعلى غيرها، ويجوز أن يأذن لها القاضي بإنشاء عقد النكاح إذا احتاج إليها كولي، فمن باب أَوْلَى أن يأذن لها في توثيقه؛ لأن التوثيق يرجع إلى العدالة والمعرفة، وهما يتوافران في المرأة العدل العارفة”.
تعيين المرأة مأذونة
وفتح قرار تعيين المرأة مأذونة – في أواخر عام 2014 مع وصولها إلى سلك القضاء – الباب إلى مزيد من التطلعات، وتولّي الوظائف التي كانت حكرا للرجال، وفي الوقت نفسه فتح بابا آخر للجدل من بين علماء الدين بشأن مشروعية شغل امرأة وظيفة مأذون شرعي، وقيامها بإبرام إجراءات عقد الزواج.. وهنا يطرأ سؤال، وهو هل يعود الجدل بين العلماء بشأن إجازة تلك الوظيفة للمرأة؟
إسلام عامر، نقيب المأذونين في مصر، أثار موجة كبيرة من الجدل، عام 2014، حينما رفض تعيين المرأة مأذونة لعقد الزواج، واعتبر أن اضطلاع المرأة بمهنة المأذون “مخالفا” للشريعة الإسلامية.
وقال عامر في لقاء تلفزيوني: “عقد الزواج يجب أن يقوم به رجل كامل العقلية، لا يعتريه ما يعتري المرأة من أعراض الحيض والنفاس التي تترتب عليها أحكام شرعية، منها: عدم دخول المسجد، ومن المعروف أن غالبية عقود الزواج تُجرى الآن في المساجد”، على حد قوله.
وأكد نقيب المأذونين أن “أهم العقود في الشريعة الإسلامية هي عقود الزواج، وأن ما بُنِيَ على باطل فهو باطل، وبالتالي فإن ما تعقده المأذونة من عقود زواج تكون باطلة شرعا”، حسب قوله.
وعن رأي علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، بشأن تعيين المرأة مأذونة، أباح ذلك لعدم تعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقال جمعة في فتوى له: “للمرأة الرشيد أن تزوِّج نفسها وغيرها، وأن توكّل في النكاح، طالما توافر فيها شرطا العدالة والمعرفة”.
المرأة تزوِّج غيرها
واستند جمعة في فتواه إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، الذي يُبيح للمرأة تزويج نفسها وغيرها، قائلا: “لمَّا كان أصل الاعتماد في دار الإفتاء المصرية لضبط الأحوال الشخصية وأحكامها الشرعية مبنيا على الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، ولما كان من المقرر في ذلك الفقه، فإن المرأة الرشيد لها أن تزوّج نفسها، وأن تزوّج غيرها، وأن توكّل في النكاح، لأن التزويج خالص حقها، وهي عندهم من أهل المباشرة”.
وأضاف جمعة: لقد أضاف المولى عز وجل النكاح والفعل إلى المرأة، ذلك يدل على صحة عبارتهن ونفاذها في قوله تعالى: “فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف”.
أما الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، فأباح تعيين المرأة مأذونة، لكنه اشترط عدم توليها ولاية الزواج، وطالما كان عملا مناسبا وتقدر عليه المرأة.
وقال الأطرش: “إن عمر بن الخطاب عيّن في خلافته الشفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة على السوق، كما تضمن القرآن الكريم صورا كثيرة من ذلك، مثل: ملكة سبأ، وكانت امرأة”.
وأضاف: “لا بد من توافر الشروط المؤهّلة لتولية المرأة عمل المأذونية التي وضعتها الدولة من الحصول على مؤهل عالٍ، وأن تكون أزهرية أو دراسات عليا في الحقوق والقانون، وتكون ملمّة بعلوم الفقه الإسلامي، بالإضافة إلى الشروط الأخرى التي تفرضها الدولة”.
ويرى الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تعيين المرأة مأذونة جائز شرعا، وليس هناك ما يمنع من أن تباشر المرأة عقد الزواج للمتزوجين، بشرط أن تكون على دراية تامة بما يتطلبه العقد من صيغة شرعية.
واعتبر الشيخ عاشور عمل المرأة مأذونا شرعيا وظيفة مثل أي وظيفة أخرى، تتساوى فيها النساء مع الرجال، وليست من الولايات العامة، لأن كل ما يقوم به المأذون هو كتابة العقد وتوثيقه.
لا يجوز شرعا
أما الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، يرى أن تعيين المرأة مأذونة غير جائز شرعا، ولا يجوز تَوَلّي المرأة وظيفة المأذون لتعارضها مع قواعد الشرع، في حدوث الاختلاط والخلوة ومزاحمة مجتمع الرجال، والفصل بين المختلفين من أهل العروسين أثناء كتابة العقد، والعمل على تقريب وجهات النظر، أو في حالات الطلاق كذلك.
وقال إدريس: “إن عمل المأذون لا بد فيه من الاختلاط وحضور مجالس الرجال، وهذا لا يجوز شرعا في حق المرأة، لأنه قد يُفضي إلى ما حرم الله تعالى، فضلا عن أن الإسلام عندما يضع المرأة في هذا الوضع الشريف فإنه يكرمها، ويرفع من شأنها، ويجعلها مصونة بعيدة عن أية شبهة”.
أضف تعليق