السحر والدجل والشعوذة، عالم مليء بالغموض، يلجأ إليه كثير من المصريين على اختلاف درجة تعليمهم ووعيهم، وحالتهم الاقتصادية.
هذا العالم هو وسيلة كثير من مدعي امتلاك القدرات الخارقة، والمعرفة بالغيبيات لجني الأموال الطائلة من جيوب المصريين، مقابل فك عمل، أو إبطال سحر، أو شفاء من داء عضال، أو حتى تحقيق أمنية، كما يوهمون ضحاياهم.
وتفشّت تلك الظاهرة لعوامل وأسباب كثيرة، وتوغلت داخل عقول جميع طوائف المجتمع، وباتت تستنزف كثيرا من أموالهم، الأمر الذي يحتاج إلى التصدي لها من المعنيين بالأمر.
مليارات مهدرة
وعن حجم إنفاق المصريين على السحرة والدجالين ومدعي العلم، يقول الداعية الإسلامي عمرو الليثي: “إن المصريين ينفقون قرابة 13 مليار جنيه على أعمال الدجل والشعوذة وفق إحصائية صدرت في عام 2012”.
وأضاف الليثي في لقاء حديث بأحد برامج التلفزيون: “أنها ربما تخطّت الآن العشرين مليار جنيه مع تفاوت السنوات، والإقبال على هذه الظاهرة المخالفة لقواعد الشرع والإسلام”.
وعبّر عن أسفه من تفشي ظاهرة الاقتناع، والتسليم بقدرة الدجالين داخل كثير من البيوت المصرية.
وأفاد بأن محاولاته مع الحالات التي تأتي إليه، ولا تعاني من المس الشيطاني أو أعمال السحر، ويحاول حثها على الذهاب للأطباء النفسيين تبوء بالفشل، باستثناء 30% منها.
الظاهرة في أرقام
وأثبتت دراسات عديدة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن 63 % من المصريين يؤمنون بالخرافات، وينفقون عشرة مليارات جنيه سنويا على أعمال الدجل والشعوذة.
وتضيف دراسة أجراها الدكتور محمد عبد العظيم، الباحث بالمركز القومي للبحوث، عدة أرقام لإحصائية البحوث الاجتماعية:
- هناك 275 خرافة تسيطر على عقول أغلب المصريين.
- يؤمن 70% من المصريين بأن هناك أناسا يمتلكون قدرات خارقة في معرفة ما يخبئه لهم القدر من أحداث، فضلا عن قدرات أخرى، منها: علاج المرضى بالأرواح.
- يلجأ 11% من المثقفين والرياضيين والفنانين والسياسيين للسحرة والدجالين.
- أكثر من مليون و200 ألف مواطن في مصر يعتقدون بتصنيف الجن إلى أزرق وأحمر، وبقدرة الزئبق الأحمر على تصريف الجن أو تسخيره.
- يتحاشى 75% من المصريين ضرب القطط والكلاب ليلا، لاعتقادهم أن العفاريت تتشكّل في أشكال هذه الحيوانات.
- يؤمن 60% من النساء بضرورة وضع كف في شعر الطفل، حتى لا يصاب بالحول.
- يؤمن 47% من المصريين تماما بأن رش المياه وراء الشخص المتوفى يمنع موت أحد ورائه.
- يدعي 300 ألف شخص في مصر علم الغيب، وقراءة الطالع.
- القاهرة في موقع الصدارة من حيث عدد الدجالين، إذ يصل عددهم إلى نحو 100 ألف.
- يؤمن 62% من البنات في مصر بضرورة عدم التحديق في المرآة ليلا، حتى لا يفوتهن قطار الزواج.
- يستحدم 80% من أهل الريف و40% من أهل الحضر ما يعرف بالأحجبة التي يصنعها الدجالون، لفك ما يعتقدون أنها أعمال، أو لإبطال تأثير العفاريت، واستمالة قلب المحب، والنجاح في العمل… إلخ.
وبحسب دراسة أُخرى للباحثة إكرام زايد، فإن المصريين لديهم اعتقاد راسخ في تأثير الحسد، وأن هناك طرقا بعينها للوقاية منه، مثل:
- البخور، و“وخمسة وخميسة” والخرزة الزرقاء.
- العروسة الورقية التي يُجرى ثقبها بإبرة الخياطة بأسماء من يريدون منع حسدهم.
أسباب
وينتقد أحمد حماد، أحد علماء الأزهر الشريف، دور الإعلام السلبي، فيما اعتبره ترويجا للظاهرة، إذ يرى أن بعض القنوات الخاصة ذهبت إلى تخصيص برامج بعينها لما أسمته الخوارق، وتعمل على هذا المحور بشكل علني، وكأنه عملا مشروعا مرخصا.
وأوضح حماد، في تصريحات صحفية، أن هذه البرامج تُرغب وتُرهب الناس، وتعمل بطريق خفي أو مباشر على جذبهم إلى الوقوع في أحضان مراكز وشيوخ وهميين، وتنوعت هذه البرامج حتى أصبحت حديث الساعة، وموردا خطيرا للإعلانات.
وأضاف هشام صلاح الدين، أستاذ النقد بكلية الآداب جامعة القاهرة، في تصريحات صحفية، أسبابا أخرى للجوء المصريين إلى مثل هذه الأمور:
- الجهل بالأسلوب العلمي في التفكير.
- عجز الإنسان عن تحقيق أهدافه، وحل مشكلاته.
- انتشار الأمية وضعف المستوى الثقافي.
- ارتفاع تكاليف العلاج، خصوصا النفسي، والوصمة المجتمعية للمريض النفسي، بالنسبة للظروف الاقتصادية.
- ربط الدين بالأساطير، لإضفاء الشرعية على اللجوء للدجالين.
- وجود قوى اجتماعية تعمل على تدعيم واستمرار الإيمان بالمعتقدات الخرافية لأسباب كثيرة، منها:
- تحقيق مكاسب مادية.
- شد الانتباه والإلهاء.
- خلق جوّ من الإثارة، والتربّح من استغلال السذج وأصحاب الحاجات.
مقترحات
ويقترح الداعية الإسلامي عمرو الليثي للحدّ من هذه الظاهرة، التي يصفها بالخطيرة على المجتمع وسلامة معتقداته الآتي:
- تتبنى الدولة، ممثلة في وزارة الصحة ومشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف والشئون الاجتماعية، إنشاء مراكز لمكافحة الدجل والشعوذة، وتضم أطباء نفسيين ومشايخ.
- وضع معايير صارمة لتناول الإعلام لكل ما يتعلق بمثل هذا الأمر، ومراعاة التفرقة بين التوعية ضده، والترويج له.
ويرى إبراهيم عبد الحافظ، أستاذ الأدب الشعبي بأكاديمية الفنون، أن وجود منابر للتعبير عن الرأي وملتقيات فكرية وثقافية يحد من اللجوء للحلول السحرية للمشكلات، ويمثل متنفسا يحمي الصحة النفسية لأفراد المجتمع.
أضف تعليق