أثارت تصريحات رئيس قطاع التعليم، بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، حول عمل الوزارة في تطوير 27 مدرسة فنية، لتكون نماذج للتطوير، وفقا للمعايير الأوروبية لمؤهلات التعليم الفني، التساؤلات حول حقيقة وضع التعليم الفني، وهل تنجح تلك الوعود في تطويره لينافس مثيله عالميا.
إذ جاءت وعود تطوير التعليم الفني في ظل وجود أزمات متعددة، أبرزها أزمة التمويل وانهيار بنيته التحتية، التي ظهرت في عدم الربط بين النظري والعملي، والنظرة المجتمعية الدونية لطلابه، وغيرها من الأسباب التي تسبّب ضعف المنتج التعليمي للتعليم الذي تعتبره الدول المتقدمة أساس النهضة.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد طلاب التعليم الفني في مصر، وصل لما يقارب المليون و700 ألف طالب خلال عام 2017، موزعين على 2204 مدارس فنية.
تطوير التعليم الفني
قال الدكتور رضا حجازي، رئيس قطاع التعليم بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني: “إن الوزارة تقوم حاليا بتطوير 27 مدرسة فنية كمرحلة أولى، لتكوّن نموذجا للتطوير وفق المعايير الأوروبية”.
وأضاف في تصريحات خلال مشاركته بتخريج دفعة جديدة من طلاب مجمع التعليم التكنولوجي بالفيوم، التابع لمشروع صندوق تطوير التعليم: “أن تطوير المدارس يتم وفقا للمعايير الأوروبية لمؤهلات التعليم الفني، ولتكون نقطة البداية لتطوير التعليم الفني على مستوى الجمهورية”.
وتابع: “أن خطة التطوير تأتي في إطار بروتوكول التعاون المبرم بين وزارة التربية والتعليم وصندوق تطوير التعليم بمجلس الوزراء” مضيفا: “أن الوزارة تسعى للاستفادة من خبرات المجمعات التكنولوجية، من خلال التعاون مع الصندوق لتطوير المدارس الفنية بشكل تدريجي خلال السنوات المقبلة في كافة محافظات الجمهورية”.
أرقام التعليم الفني
وفي ظل إبداء وزارة التربية والتعليم اهتمامها بتطوير التعليم الفني، فإن الأرقام الرسمية عن حجمه تشير إلى صعوبة كبيرة وتكلفة مرتفعة.
إذ أشارت إحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2016-2017، إلى أن عدد مدارس التعليم الفني “الزراعي والصناعي والتجاري والفندقي” في مصر 2204 مدارس، التحق بها مليون و642 ألفا و218 طالبا، من أصل 52 ألفا و664 مدرسة بمراحل التعليم المختلفة، منها ثلاثة آلاف و٣٣٤ مدرسة ثانوية عامة.
وتكشف الأرقام فجوة كبيرة بين عددها وعدد المدارس الثانوية، لا تتناسب مع ارتفاع نسبة الملتحقين بالتعليم الفني، إذ بلغت نسبة المدارس الثانوية الفنية ٣٩.٧٪ فقط من إجمالي عدد مدارس المرحلة الثانوية البالغ ٥٥٣٨ مدرسة، بينما نسبة الملتحقين بالمدارس الثانوية الفنية بلغت ٥٢.٢٪ من إجمالي طلاب المراحل الثانوية مجتمعة خلال 2017 والبالغ ثلاثة ملايين و500 ألف طالب وطالبة.
وتسبب عدم التناسب بين عدد الطلاب في الثانوية الفنية وبين عدد المدارس إلى كثافة طلابية تقارب الضعف في المدارس الفنية مقارنة بالثانوي العام، إذ يبلغ متوسط عدد طلاب المدرسة الفنية الواحدة ما يقارب الـ ٨٧٠ طالبا، بينما المتوسط في مدرسة الثانوي العام ٤٩٢ طالبا فقط، أي النصف تقريبا، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا لجهود تطوير التعليم الفني.
وأشارت الإحصائيات إلى أن عدد مدارس القطاع الخاص من إجمالي مدارس التعليم الفني، نحو ١٨٦ مدرسة فقط، على الرغم من أن القطاع الخاص هو الأكثر استفادة من التعليم الفني.
غياب التخطيط
وفي ظل الأرقام الضخمة للطلاب ووعود تطوير التعليم الفني، نجد الكثير من العوائق التي تحتاج لأكثر من مجرد إصلاح، وإنشاء مدارس فنية جديدة، وتتمثل العوائق في عدة أمور أبرزها:
كشفت الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، عن تهديد كبير لجهود تطوير التعليم الفني، نتيجة لمعاناته في مصر من عدم التخطيط، وعدم وجود دراسات جدوى له من قِبَل الجهات المختصة، إذ يختفي التناسب بين عدد الطلاب وعدد المدارس، كما لا يوجد تناسب بين احتياجات سوق العمل، ونسبة الطلاب الناتجين عن التعليم الفني.
- تعدد الإشراف:
ويضاف إلى تلك الأزمة، أزمة أخرى أشارت إليها زهرة بينارو لوزانو، مدير برنامج دعم إصلاح التعليم الفني بمفوضية الاتحاد الأوروبي بمصر، وهي تعدد الجهات المنوط بها الإشراف على منظومة التعليم الفني والتدريب المهني، مشيرة إلى أن هناك خمسة وزارات على الأقل تتنازع الاختصاصات، أبرزها وزارات التربية والتعليم، والصناعة والقوى العاملة، والإنتاج الحربي، والصحة.
وأشارت زهرة في تصريحات صحفية، إلى أن تعدد الإشراف يهدد جهود تطوير التعليم الفني في مصر.
- غياب التطبيق العملي:
فيما أشار باحثون إلى انفصال التعليم الفني في مصر عن الجانب التطبيقي، إذ يعاني من عدم وجود الربط الكافي بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي، على الرغم من أهمية الجانب العملي في هذا النوع من التعليم.
ويعتمد التعليم الفني في العالم على التدريب المهني، الذي يعد نواة أساسية في تطوير التعليم الفني، وهو ما يفتقده في مصر.
النظرة المجتمعية والتمويل
وفي السياق ذاته، أشار حسن عرفة، نائب رئيس اتحاد المعلمين المصريين، وأحد معلمي مدرسة إمبابة الثانوية الصناعية، إلى أن مشكلات التعليم الفني كثيرة، أبرزها النظرة المجتمعية للطلاب.
وأشار عرفة في تصريح صحفي إلى أن الكثيرين تغافلوا دور التعليم الفني في تعزيز البنية الأساسية للمجتمع، مشيرا إلى أن الطالب لديه القدرة على البناء والإعمار والعمل في أكثر من مجال خاص بالصناعة.
وأرجع محمود سالم، مدير مدرسة محمد علي الثانوية الفنية، مشكلات التعليم الفني في مصر، أو انحداره كما وصفه، إلى إهمال الدولة له وقلة الإمكانيات المرتبطة، وهو ما يهدد جهود تطوير التعليم الفني.
وعود وزارية
وفي مقابل الأزمات المتعددة، قال طارق شوقي: “إن وزارته تسعى لمواجهة تحديات التعليم الفني، والتدريب المهني، بمحاولة إحداث طفرة بهما بالتوازي مع التعليم العام”.
وأضاف في تصريحات صحفية: “أن برامج تدريب الطلاب الجدد في خطة تطوير التعليم الفني تستهدف خلق منتج تعليمي بمستويات مهارية عالية ترقى للمنافسة في أسواق العمل العالمية، وذلك بالتعاون مع الشريك الأجنبي – الاتحاد الأوربي”.
أما عن توقيت هذا التحول وتلك التطورات فهو السؤال الذي لم يجب عنه أي مسئول في مصر حتى الآن، باستثناء وعود تطبيق النظام الجديد في العام الدراسي الحالي، مما يعيد السؤال حول هل ستنجح جهود الوزارة في تطوير التعليم الفني؟
أضف تعليق