الشباب والزواج.. فرقهما الغلاء

الزواج

الزواج والشباب كلمتان دائما ارتبطا بعضهما، لكن أصبحا الآن متنافرين في الواقع، بعدما أصبح زواج الشباب ضمن أبرز المشكلات التي يواجهها المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع ارتفاع سن الزواج للذكور والإناث، ومواجهة الشباب تعقيدات مالية عند الإقبال على الزواج، تجعل البعض يَعزف عن الفكرة، وهي الأزمة التي تتّسع رقعتها يوما بعد يوم، نتيجة العديد من العوامل المتراكمة التي أوصلتها إلى هذا الحد من التأزّم.

وفي يوليو الماضي، أوضحت إحصائيات رسمية، كشف عنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ناقوس الخطر من تراجع قياسي لمعدل الزواج الرسمي في الآونة الأخيرة، وإليك تفصيل الإحصائية:

  • 56.9 ألف عقد زواج في مارس الماضي.
  • 75.5 ألف عقد في مارس عام 2017، بانخفاض 24.6%.
  • 938 ألفا و526 عقدا عام 2016.
  • 969 ألفا و399 عقدا عام 2015.

الإحصائيات الرسمية أفادت بوجود ما يتخطّى عشرة ملایین شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم الـ٣٥ عاما ولم یتزوّجوا بعد، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء العام الماضي.

ويتوقّع خبراء الاقتصاد تصاعد معدل التراجع في عقود الزواج، جراء الارتفاع المتزايد في الأسعار، منذ تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، الذي كان 3 نوفمبر 2016.

وتنفّذ مصر منذ 2016 برنامجا للإصلاح الاقتصادي، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، تضمّن تحرير سعر صرف العملة، وفرض ضرائب، ورفع الدعم عن سلع رئيسية وكمالية.

إلغاء النيش والشبكة

ولأن الزواج يتطلّب تجهيزات ضخمة من الجنسين، تحتاج لعشرات الآلاف من الجنيهات، وفق أعراف مرهقة، سواء من أثاث المنزل أو المهر، وهذا ما قاله الشاب عادل عبدالوكيل.

وظهرت مبادرات لكسر بعض الأعراف للتيسير على الشباب، من بينها حملة “بلاها نيش وحاجات متلزمنيش” “القائمة الموحدة للقائمة” وتقليل عدد جرامات الشبكة من الذهب، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وعدم تحميل كاهل الأسرة بأعباء كثيرة.

وقالت رانيا يحيى، منسقه حملة “بلاها نيش وحاجات متلزمنيش: “إن الهدف الأساسي لها يتمثّل في الاستغناء عن كل الأشياء الزائدة عن الأساسيات”.

وأضافت في تصريحات لها: إن شقق العرائس أصبحت معرضا كبيرا، وليست منزلا، ومفهوم الزواج ليس صحيحا عند الأهالي، لأن هناك طلبات خيالية لإتمام الزواج، والتفكير الرجعي مستمر في المنافسة بين الأقارب”.

ويظل النيش – متحف العروسين – رمزا لجميع الأشياء التي لا فائدة منها في الحياة، غير أن العادات والتقاليد تُحتّم أن يكون ضرورة كبيرة في أثاث العروسين، بجانب الشبكة “الهدية الذهبية التي تُعطى للعروس” والتي يتسابق فيها الأهالي، وتراوحت في بعض قرى جنوب مصر بين 50 إلى 150 جراما من الذهب، بسعر 600 جنيه للجرام الواحد.

الخروج عن المألوف

تبنّي عدد من الشباب فكرة تغيير الأعراف، والاستغناء عن كل شيء لا فائدة له، من أجل تيسير الزواج، ومواجهة الظروف الاقتصادية، وموجات ارتفاع الأسعار، وهو ما فعله الشاب عبدالوكيل (27 سنة) عندما قرّر الاستغناء عن النيش، وكذلك تقليل عدد جرامات الشبكة، وهو ما وفّر له كثيرا من النفقات.

وقال: إنّ الفكرة جاءته بسبب ارتفاع أسعار أطقم الأطباق والأكواب بشكل كبير، فهي تُكلّف أكثر من عشرين ألف جنيه، ما يعادل 1200 دولار، كأدوات زينة لا يتم استخدامها إلا نادرا.

وأوضح أنّ الفكرة قوبلت ببعض الانتقادات من الأقارب بحكم حداثتها، قبل أن يمدحونها عند دخول أبنائهم معترك الزواج، خاصة مع ارتفاع الأسعار إلى الضعف.

واتفق معه إسلام إبراهيم (30 سنة) وهو محاسب من محافظة الغربية، إنّه استغنى أيضا عن طاولة السُفرة إلى جانب النيش، لعدم الحاجة إليهما، مع إقامة العرس في دار مناسبات، ولم يقم بعمل حفلة صاخبة.

ولم يلتفت إبراهيم إلى الانتقادات التي ستواجهه، قائلا: “الناس سيتكلمون في جميع الحالات، وبالتالي لا أنظر إليهم، أنا أفعل ما أقتنع به فقط”.

وأضاف: “كل ذلك جاء بالاتفاق مع أهل العروس، فهي أيضا اقتنعت بأنها عادات قديمة غير مجدية، تنازلت عن الكثير من المواصفات في الأجهزة الكهربائية، واشترينا ما يحتاجه منزلنا فقط”.

وشهدت أسعار الأجهزة الكهربائية زيادة بنسبة 70 %، كما ارتفعت أسعار الأدوات المنزلية نتيجة لارتفاع أسعار الوقود، بينما انخفضت حجم المبيعات نحو 25% بسبب ارتفاع الأسعار، مما أدّى إلى حالة من الركود في الأسواق، الذي دفع بعض المصريين إلى التوسع في استخدام نظام التقسيط من المتاجر الشهيرة، التي تعمل وفقا لهذا النظام.

الخوف من النفقات

ويري بعض الشباب أن مشكلتهم ليست الزواج، لأنهم بمقدورهم أن يتزوجوا في ظل مشكلاته المادية الموجودة حاليا، لكنهم لم يفكروا في تجربة الزواج حتى الآن، لخوفهم من عبء النفقات والتكاليف بعده، وقال بعضهم: “إنه لم يجد لها حلا بعد، لعدم استقراره، وغياب الوظيفة الثابتة”.

وقال محمد فكري هاني، صاحب الــ35 عاما، وأحد الشباب الذين يعانون من تكاليف الزواج: “إنه خطب فتاة منذ فترة طويلة، لكنه لم يتزوّجها بعد” مشيرا إلى وجود مشكلة في عادات وتقاليد البعض في المجتمع المصري، والتي تتمثّل في إلزام العريس بأشياء معينة، مثل: إلزام العريس عدد معين من جرامات الشبكة، يتعدّى 50 ألف جنيه.

وأشار هاني إلى سبب آخر، يؤثّر سلبا في إقبال الشباب على الزواج، وهو السكن، معقّبا: “شقة التمليك تحتاج إلى مبلغ وقدره، كما أن ترتيبها، إضافة للأدوات المنزلية لهما تكلفة عالية، وبعض أولياء أمور الفتيات اعتبروا أن الزواج رهنا ماليا، لأنهم في الغالب يفكرون في تأمين بناتهم من الناحية المادية”.

رأي الطب النفسي

وحول أسباب عزوف الشباب، رأت الدكتور زينب المهدي، خبيرة نفسية وعلاقات أسرية أنه لو أردنا وضع تعريف لأي زيجة ناجحة سوف نقول الأتي: “هي تلك الزيجة المتوافقة شخصيا، واجتماعيا، وثقافيا، وقادرة علي توفير معيشة كريمة لأفرادها، وبها قدر كافي من المساندة والتكافؤ لتخطي أي صعب”.

وأوضحت في تصريحات لها أن ما يخص تراجع نسب الزواج فله أسبابه القوية والمتعددة، ألا وهي:

  • السبب الأول: خوف بعض الشباب والبنات من الفشل، فكثير من الشباب والبنات لديهم عزوف عن الزواج، خوفا من الخوض في تجربة قد تكون مؤلمة، وتضع بصمتها السلبية في نفسيتهم، وتقف حاجز صدّ أمام أي تجربة أخري، وهذا ناتج عن السماع المتكرر لفشل قصص الآخرين، نتيجة فشل اختيارهم، وعدم دراستهم لزيجتهم بشكل كبير.
  • السبب الثاني: العامل المادي، الذي يعد سببا قويّا في عدم إتمام أي زيجة، فلو كان الشاب لا يملك ما يجعله رب أسرة سوف يتم تعطيله عن تنفيذ الزيجة، لأنه ببساطة لا يستطيع أن يعول أسرة بكامل أفرادها.
  • السبب الثالث: المفهوم الخاطئ الذي يتم تصديره للشباب عن الزواج، فلو صدّرنا للشباب النماذج الصحيحة، والتي استطاعت أن تحافظ علي منزلها الزوجي، سوف تتغيّر فكرة الشباب شيئا فشيئا عنه.
  • السبب الرابع: المشكلات الشخصية التي يعاني منها الشباب، تجعلهم يؤجلون فكرة الزواج، نظرا لأن الزواج في حد ذاته مسؤولية تحتاج إلي شخص قادر على تحملها.

رقية كمال

شاهد المزيد

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *