جاء إعلان لجنة التحكيم الدولي أمس بتغريم مصر ملياري دولار على خلفية النزاع حول إمدادات الغاز لمشروع مشترك، يضم شركتين إسبانية وإيطالية، ليعيد التساؤلات التي لم تُغلق حتى الآن حول أسباب استمرار نزيف الاقتصاد المصري، رغم وجود إدارات قانونية بكل وزارة، مهمتها إدارة هذا الملف، تُقدّر رواتبها وخدماتها بالملايين، وحوافزها بالآلاف.
ولم تقتصر التساؤلات إلى أسباب هذا النزيف الاقتصادي – الذي بلغ 76 مليار دولار حتى الآن، مرشحة للزيادة – بل أشارت إلى كيفية مواجهة الحكومة تلك الغرامات، التي تمثّل عبئا كبيرا للاقتصاد، بالإضافة لتأثيرها على جلب الاستثمار الخارجي.
وأمام تلك التساؤلات طرح عدد من الخبراء الاقتصاديين والقانونيين نصائحهم، لحل أزمة خسائر التحكيم الدولي، والتي تمثّلت في البحث عن الكفاءات أثناء إبرام العقود، وعدم اللجوء للتحكيم السرّي، واحترام حقوق المستثمرين، وتنويع التمثيل القانوني في قضايا التحكيم.
قرار تغريم مصر
وكانت قد نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريرا، قالت فيه: “إن هيئة تحكيم دولية، أصدرت قرارا يقضي بتغريم مصر ملياري دولار، لفائدة مشروع مشترك، يضم شركتين: إسبانية وإيطالية، على خلفية توقف إمدادات الغاز نحو وحدة إسالة تابعة له بدمياط”.
وأضافت الصحيفة أمس الثلاثاء في تقرير لها: “أن الحكم صادر عن المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار التابعة للبنك الدولي، لفائدة الكونسورتيوم “يونيون فينوسا” المكون من شركتي: ناتورجي الإسبانية وإيني الإيطالية، في إطار تسوية بينها وبين مصر حول إمدادات الغاز.
نزيف مستمر
بلغ حجم خسارة مصر أمام قضايا التحكيم الدولي خلال العشر سنوات الأخيرة مبالغا تخطّت 74 مليار دولار، سدّدت خزانة الدولة أغلبها كتعويضات لدول أجنبية، وكان نصيب إسرائيل وحدها في تلك القضايا أربع قضايا بجملة تعويضات 13 مليار دولار.
ومن أبرز القضايا التي واجهت مصر فيها غرامات كبيرة كانت قضية شركة وجيه سياج، عقب النزاع حول أرض بطابا، عقب قيام سياج ببيعها لإسرائيليين، وانتهت بتغريم مصر 300 مليون دولار.
وفي عام 2006 جرى الحجز على 530 مليون دولار من أموال مصر في الخارج، بسبب نزاع بين وزارة الطيران المدني وإحدى الهيئات البريطانية، الذي كان بشأن أحقيّة الهيئة البريطانية في بناء مطار في مدينة رأس سدر.
وكان قد كشف تقرير المركز الدولي لفض المنازعات – التابع لمجموعة البنك الدولي – في 2015 أنّ مصر منذ أن اعتمدت نظام التحكيم الدولي لديها خسرت حوالي 76 قضية أمام مستثمرين أجانب، من إجمالي 78 قضية تم رفعها على الجانب المصري، فيما كسبت قضيتين فقط.
مصر الثالثة عالميا
واحتلّت مصر المركز الثالث عالميا، ضمن أكثر الدول تعرّضا للمقاضاة من جانب مستثمرين أجانب بعد الأرجنتين وفنزويلا.
وكان قد أشار تقرير “فوق الدولة الشركات متعددة الجنسيات في مصر” – الصادر عن المركز المصري للحقوق المصرية والاجتماعية عام 2015 – إلى مطالبات مالية من مستثمرين أجانب تتخطّى قيمتها 20 مليار دولار سنويا، وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
مصر والتحكيم الدولي
أرجع الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، أسباب خسارة مصر المستمرّة في قضايا التحكيم إلى أخطاء ارتكبها بعض الموظفين في الكتابة وصياغة العقود بالإنجليزية، نظرا لعدم احترافهم، وعدم إلمامهم بفكرة التحكيم الدولي، وبالثغرات التي يستند إليها التحكيم.
وأضاف في تصريح له، نشره موقع المصري اليوم مارس عام 2017: “أن الدستور المصري الجديد حاول معالجة تلك الأزمة، بجعل عقود الدولة تمر بمرحلتين، الأولى في هيئة قضايا الدولة، لتقوم بتحرير العقود، ثم مجلس الدولة ليراجع هذه العقود ويسد ثغراتها القانونية.
وأشار إلى أن العقود القديمة كانت تُكتب في الإدارات القانونية في كل وزارة أو هيئة، دون مراجعة قانونية مناسبة.
وقال أحمد رشدي، الخبير الاقتصادي – في تصريح له في موقع العربي، تعليقا على قضية التحكيم الدولي في قضية تصدير الغاز لإسرائيل: “إن خسارة مصر جراء قضايا التحكيم لا تقتصر على الجانب المادي” مشيرا إلى تأثير هذه الخسارة على سمعة الاستثمار في مصر.
وأضاف في تصريح له: “أن أبرز أسباب تلك الخسارات هي: نقص الكوادر والكفاءات القانونية أثناء إبرام التعاقدات مع المستثمرين الأجانب، بالإضافة لضعف الكوادر التي تتولّى قضايا التحكيم، وسوء إدارة العقود التي تنصّ بنودها على شروط التحكيم”.
إيقاف هذا النزيف
وضع الدكتور محمود وهبة، أستاذ التنظيم، وعميد معهد الدراسات التطبيقية بمركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك سابقا، نصائح لمواجهة الخسارة المتلاحقة لقضايا التحكيم الدولية، مؤكدا أن تلك الخسائر يمكن تفاديها وتجنّبها.
وأشار في منشور له عبر الـفيس بوك أمس الثلاثاء: أن مصر تواجه قضيتين، رفعتهما إسرائيل من مجموع أربع قضايا بمجموع تعويضات، قد تصل إلى عشرة مليار دولار، بالإضافة إلى 22 قضية تحكيم أخرى بقيمة تعويض تتعدّى 20 مليار دولار.
ولفت لوجود 13 قضية أخرى في تحكيم دولي سرّي، تحت إشراف غرف تجارية أو بلاد المستثمر، بناء علي قوانين دولية تسمي (ISDS) وقد يكون العدد أكبر أو أقل لسرية هذه القضايا.
أما عن نصائح مواجهة قضايا التحكيم، فقد وضع وهبة ثلاثة نصائح:
- الأولى: ضرورة قيام مصر بتنويع تمثيلها القضائي، واللجوء لعدة مكاتب محاماة بدلا من مكتب واحد، مشيرا إلى أن مكتب المحاماة الذي خسر قضية تصدير الغاز لإسرائيل ما زال يباشر القضايا الباقية .
- الثانية: أن تقوم مصر بإنهاء التحكيم تحت قواعد (ISDS) أو التحكيم تحت إشراف الغرف التجارية، والتحكيم السري أو شبه السري، لافتا إلى قيام الهند بتلك الخطوة مؤخرا، والإبقاء على التحكيم مع (ISDS) مضيفا أن هذا لن يسري على الماضي، وإنما سيتم تطبيقه على المستقبل.
- الثالثة: مطالبة الحكومة المصرية باحترام العقود، وحقوق المستثمرين، والتوقّف عن القرارات العشوائية والمتضاربة، التي تضر مصر أكثر ممّا تُفيد.
ويرى وهبة أن تلك النصائح قادرة على حماية مصر من أحكام دولية غير مقبولة، وتمنع تحميل الميزانية المصرية أعباء هي في غنى عنها.
أضف تعليق