تتغير قواعد اللعبة الاقتصادية تبعا للقرارات السياسية الكبيرة، فحين تتصارع الدول الكبرى تبدأ الاستثمارات ورؤوس الأموال بالاتجاه نحو الملاذات الآمنة، ما يؤثر بالسلب على قوم، وبالإيجاب على آخرين، وهذا ما حدث في الأزمة الأمريكية الإيرانية التي لا تزال حديث الساعة.
ورغم أن المكتسبات الاقتصادية غالبا ما تكون المحرك الأساسي لسياسات الدول، فإن الأحداث غير المتوقعة تقلب موازين الربح والخسارة مهما كانت دقيقة، وينسحب هذا التأثير على كل المشاركين في القرارات أو المجاورين لها أو حتى مَن يبعدون عنها آلاف الكيلو مترات.
وفي الشرق الأوسط، توقّع خبراء ومحللون أن تُسفر الأزمة الأمريكية الإيرانية عن تقلبات كبيرة في مجالات السياحة، والبترول، والذهب والعملات، فما تأثير ذلك على مصر؟ وإلى أي مدى ستتأثر القطاعات المختلفة وصولا إلى المواطن البسيط؟
الذهب والعملات
ومنذ عدة ساعات، هبط الذهب بشكل حاد، ليفقد نحو 15 دولارا، بعد خطاب هادئ للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عقب هجوم إيراني على قوات أمريكية في العراق، بعدما كان قد ارتفع، محققا مكاسب تتجاوز 35 دولارا في وقت سابق من تعاملات.
وقال ترامب: “إن القوات الأمريكية لم تتعرض لأي خسائر بشرية، بسبب هجوم إيران”، مؤكدا أن بلاده تسعى لعقد صفقة جديدة مع طهران، تجعل العالم مكانا أفضل، ولم يُشر لأي رد عسكري، ما دعّم هدوء المخاوف الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وكان الذهب قد تجاوز مستوى 1600 دولار لأول مرة في سبع سنوات، بعد الهجوم الإيراني على قاعدة عسكرية أمريكية في العراق، لم يسفر عن قتلى؛ جاء ردا من إيران على مقتل قائدها العسكري “قاسم سليماني” بضربة جوية أمريكية.
وكالعادة، في ظل هذه الأزمة الأمريكية الإيرانية، اتجه المستثمرون بقوة للذهب، ما دفعه للصعود لأعلى مستوى منذ عام 2013، مسجلا 705 جنيهات لجرام عيار 21، قبل أن ينخفض إلى 700 جنيه لجرام العيار نفسه بعد خطاب ترامب.
من جهته، قال رشاد عبده، الخبير الاقتصادي: “إنه ليس هناك أي تأثير كبير على سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، بسبب الأزمة الأمريكية الإيرانية، ولا داعي للقلق؛ لأن لكل منهم له حساباته التي يسعى للحفاظ عليها”.
وعلّل عبده كلامه، في تصريحات صحفية، بأن ترامب سيتجنب الدخول في أي حرب مع أي دولة، لأنه مقبل على انتخابات نهاية 2020، ما يضطره للحفاظ على شعبيته ودولته لما بعد الانتخابات.
النفط
وعن أحد أكبر المؤثرين في سوق الاقتصاد العالمي الآن، فقد عمقت أسعار النفط خسائرها في التعاملات المسائية لليوم، بعد خطاب ترامب، لتتراجع العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت تسليم مارس بنسبة 4.41% أو 3 دولارات إلى 65.26 دولارا للبرميل.
جاء ذلك بعدما كانت عقود النفط الآجلة قد صعدت إلى ذروتها، الاثنين الماضي، إلى متوسط 70.8 دولارا بالنسبة لخام برنت، مدفوعة بتوترات الشرق الأوسط، ليتراجع سعر البرميل 7% عن أعلى مستوى مسجل الأسبوع الجاري.
من جهته، قال مدحت يوسف، رئيس هيئة البترول الأسبق والخبير البترولي: “إن الأزمة الأمريكية الإيرانية ستؤثر على أسعار النفط عالميا بشكل لحظي، بينما لن تؤثر على واردات مصر من المنتجات البترولية؛ كون أغلب واردات مصر منها تأتي عن طريق البحر المتوسط”.
وأضاف يوسف، في تصريحات صحفية، السبت الماضي: “أن نسبة كبيرة من صادرات مصر من المواد البترولية تذهب إلى الدول الأوروبية، وبالتالي لن تتأثر مصر بالتوترات في منطقة شبه الجزيرة العربية، كما أنها تسيطر جيدا على منطقة مضيق باب المندب، وهو ما يؤمّن صادراتها من منتج النفط إلى الهند”.
الأمن السياحي
أما عن السياحة، التي تعتمد بشكل أساسي على توفر الظروف الآمنة سياسيا واقتصاديا لتنتعش، فصرح ماجد شوقي، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة بلتون المالية القابضة، ورئيس البورصة المصرية الأسبق، بأن انعكاسات الأزمة الأمريكية الإيرانية واضطرابات الشرق الأوسط على الاقتصاد المصري متفاوتة إلى حد كبير.
وقال شوقي، في تصريحات صحفية: “تدفقات وعوائد السياحة في مصر قد تتأثر بصورة بسيطة، وخاصة أنه من الوارد جدا أن تخرج علينا إحدى الحكومات الخارجية ببيان تحذير لرعاياها من التواجد ببعض الدول المجاورة للتوترات، وبالتالي سيكون لذلك انعكاس سلبي على حركة السياحة ومواردها، ولكنه محدود جدا”.
وأضاف شوقي: “أن الأزمة الأمريكية الإيرانية ليس لها تأثير طويل المدى (قال ذلك قبل رد إيران عسكريا)، وإذا حُسمت الأزمة فسيكون تأثيرها على مناخ الاستثمار المحلي محدودا جدا”.
الأزمة الأمريكية الإيرانية
بدأت قصة التصعيد بين البلدين، أواخر ديسمبر الماضي، عندما تجاوزت إيران خطا أحمر وضعه ترامب، هو قتل الأمريكيين، بقصفها قاعدة “كي وان” قرب كركوك، شمال العراق، إذ قُتل فيها متعاقد أمريكي.
بعدها، رد ترامب على تجاوز هذا الأمر بقصف قواعد لميليشيات كتائب حزب الله العراقي في سوريا والعراق، الجهة المتهمة بالوقوف وراء هجوم كركوك، لترد إيران باقتحام ميليشيات الحشد الشعبي مقر السفارة الأمريكية في بغداد.
ومنذ أيام قليلة، وجهت الولايات المتحدة ضربة جوية، قتلت فيها قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، ليكون رد إيران بهجوم بعدد 15 صاروخا على قاعدتين تضمان قوات أميريكية في “العراق”، دون أي خسائر بشرية.
وفي تحليلها لموقف الأزمة الأمريكية الإيرانية، قالت صحيفة الجارديان: “إن الضربات الإيرانية رمزية إلى حد كبير، ويبدو أنها حُسبت بعناية لتجنب وقوع خسائر في عدو أقوى منها بكثير، لكنه نوع من حفظ ماء الوجه، ورد الاعتبار، وبالتالي إرضاء الطرفين”.
أضف تعليق