الغش التجاري أو “صناعة الموت” إذا أردنا أن نسميها بنتائجها، فبخلاف المليارات التي يتكبدها الاقتصاد بسببها، وما تستنزفه من الناتج المحلي، تؤثر على صحة الفرد لدرجة تصل إلى الموت، كما تؤثر على الأسواق بإغراقها بمنتجات مقلدة بأسعار زهيدة.
يزدهر هذا الغش التجاري في الدول النامية بشكل خاص، وينسحب تقريبا على كل المنتجات التي تغزو الأسواق بشكل يومي، فأول أمس، ضبطت إدارة مكافحة جرائم الأموال العامة بالقاهرة، عاملا بمحل خمور بمدينة نصر أول لإدارته المحل دون ترخيص وحيازته كميات كبيرة من الخمور مجهولة المصدر.
جاء ذلك في نفس اليوم الذي استقبل فيه مركز السموم التابع لكلية طب جامعة الإسكندرية، خمس حالات تسمم، بسبب شرب خمر مغشوشة ومخلوطة بالسبرتو الأحمر، وذلك أثناء الاحتفال بأعياد رأس السنة.
الغش التجاري
وفي مجلس النواب، تصدرت طلبات إحاطة بشكل شبه أسبوعي، تكشف عن مدى تغلغل هذه الصناعة القاتلة، ففي 30 ديسمبر الماضي، قال طارق متولي، وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب: إن دفايات “بير السلم” غير المطابقة للمواصفات تنتشر بالأسواق.
وفي نفس اليوم، تقدم متولي مع النائبة نانسي نصير، بطلبي إحاطة بشأن مستحضرات التجميل المغشوشة المصنوعة في “بير السلم”، والمستخدم فيها مواد كيميائية محظورة تهدد صحة المواطنين، وتتسبب بأمراض مختلفة وخطيرة تصل إلى السرطان.
وتقدم النائب أيضا بطلب إحاطة بشأن انتشار العدسات اللاصقة المغشوشة، والبيع عن طريق الإنترنت، وما تسببه من القضاء على تجارة استيراد العدسات الأصلية، فضلا عن أن أضرارها على المستخدم تشمل التهابات ميكروبية، وخدوشا والتهابات في القرنية، وتصل إلى ضعف أو فقدان البصر.
وكشف النائب أن الغش التجاري يمثل تهديدا للاقتصاد القومي، وصحة الإنسان، ويظهر بقوة في الدول النامية، ولا يستثني قطاعا إلا ودخل فيه، حتى وصلت نسبة الغش التجاري في القطاعات الصناعية فقط في مصر إلى حوالي 5% من الناتج المحلي أي ما يعادل من 100 إلى 150 مليار جنيه.
كانت هذه 3 طلبات إحاطة في يوم واحد حول الغش الصناعي، والذي لم يسلم منه الزراعي كذلك، ففي 15 من نفس الشهر، حذرت نقابة الفلاحين المزارعين من عمليات غش الأسمدة الشتوية، وأنها تؤدي إلى بوار الأراضي وقلة المنتجات الزراعية.
الصناعة والزراعة
وقال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين: إن بعض التجار يغشون في الأسمدة خاصة الشتوية منها، ويصعب كشف هذا الغش لأنه يتم إلقاؤها بالمياه، ويجرى خلطها بأملاح تعطي نتيجة عكسية مع النباتات، وبالتالي تضر بالصحة العامة للمواطنين، مع إصابة النبات بالأمراض.
كما صدرت عشرات طلبات الإحاطة التي تستنجد بالحكومة لمواجهة الغش التجاري، منها:
- 29 ديسمبر 2019: حذر البرلماني محمد المسعود، في طلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزيري الصحة والتموين، من انتشار مصانع المنظفات المغشوشة التي لا تلتزم بالمواصفات القياسية، وتسبب أمراضا جلدية تصل إلى سرطان الجلد.
- 17 ديسمبر 2019: تقدم النائب ممتاز دسوقي، بطلب إحاطة بشأن مصانع حفاضات ”بير السلم” التي تستغل ارتفاع الأسعار وحاجة الأسر الفقيرة، وحذر من أنها تسبب التهابات حادة في الجهاز التناسلي للطفل، والاستمرار في استخدامها يزيد من خطورة إصابة الذكور بالعقم مستقبلا، مشيرا إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن في “انعدام الرقابة” على مثل هذه المصانع.
- 11 ديسمبر 2019: تقدم النائب طارق متولي، بطلب إحاطة بشأن ارتفاع نسبة غش قطع غيار السيارات، موضحا أنها تتراوح حسب تقديرات الخبراء بين 20% إلى 30% من السوق، بينما يصل حجم الغش التجاري في العلامات التجارية وتغيير الماركات إلى 35%.
- 24 يوليو 2019: تقدم النائب فايز بركات، بطلب إحاطة، بشأن وصول حجم العلامات المقلدة والمغشوشة لنحو 14 ألف علامة مضروبة تغزو الأسواق المصرية.
- وفي 19 من نفس الشهر، كشف أمير الكومي، مستشار ورئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك، أن عدد المصانع التي تعمل بشكل غير رسمي بلغت نحو 750 ألف مصنع، في 2015، متوقعا وصولها الآن إلى 2.5 مليون مصنع.
246 ألف محضر غش تجاري
رغم كل ذلك، أحيانا لا يحصل المتهم على العقوبة المناسبة، فمنذ ساعات، أمرت نيابة الأزبكية، بإخلاء سبيل مسئول مخزن أدوات كهربائية، ضبط بحوزته 21 ألف قطعة من الأدوات الكهربائية مجهولة المصدر، بعد أن وجهت النيابة له تهمة الغش التجاري.
وإضافة إلى الأرقام السابقة، ففي 23 من سبتمبر الماضي، كشف تقرير الحكومة السنوي المرسل للبرلمان، للفترة من يوليو 2018 حتى يونيو 2019، أنه فيما يتعلق بتفعيل آليات حماية المستهلك، جرى تنظيم 22.9 ألف حملة رقابة تجارية، وإعداد 246.2 ألف مخالفة ومحضر غش تجاري.
وفي أبريل 2018، كشف فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الدولي السابق- بناء على آخر إحصائية في 2016- أن تكلفة الإعلانات المضللة والغش التجاري قد بلغت 800 مليار دولار عالميا، أي بما يوازي 8% من حجم التجارة الدولية، معظمها من الدول النامية، وتستأثر المنطقة العربية وحدها بنحو 60 مليار دولار من هذا الغش.
الرقابة لا تعلم
تأتي هذه الأرقام الكارثية، بينما كشف محمد حلمي، القائم بأعمال رئيس مصلحة الرقابة الصناعية، في 19 نوفمبر الماضي، أنه “لا يوجد حصر دقيق بعدد المصانع غير المُرخصة”، مضيفا: “لا نملك القوة البشرية اللازمة لحصر تلك المصانع”.
وفي 26 من نفس الشهر، صرح محمد فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بالنواب، أن “القانون عاجز عن مواجهة غش المنتجات وتقليدها فى مصانع بير السلم”، ولابد من حماية المستثمر الصناعي فى ظل غياب الرقابة الصناعية.
وفي خطوة جادة منه لمواجهة الظاهرة، أصدر جهاز حماية المستهلك، الأربعاء، قرارا يُلزم جميع المحلات والمطاعم ومقدمي الخدمات بالإعلان عن السعر الشامل، ومنح المستهلكين فاتورة واضحة شاملة الضريبة، ومدونا بها جميع بيانات المحل الأساسية، ومواصفات السلعة، باللغة العربية.
أضف تعليق