خسائر وانسحاب خطوط ملاحة.. ماذا بعد خفض رسوم الموانئ في مصر؟

خسائر وانسحاب خطوط ملاحة.. ماذا بعد خفض رسوم الموانئ في مصر؟
الموانئ المصرية خرجت واحدا تلو الآخر من السباق العالمي لتتفوق عليها موانئ عديدة بالمنطقة - مصر في يوم

بعد أن أهدت مصر ميناء “بيريوس” اليوناني أكثر من 700 ألف حاوية سنويا، نتيجة انسحاب تسع خطوط ملاحية، تحاول الحكومة استعادة تلك الخطوط مرة أخرى، بالإعلان بين الحين والآخر عن خفض رسوم الموانئ.

وأعلنت وزارة النقل عن خفض رسوم الموانئ للمرة الثانية، خلال أشهر قليلة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول أسباب وتداعيات القرار، خصوصا أنه يؤدي -بحسب تصريحات وزير النقل- لخسائر تتجاوز مليار جنيه، كما أنه لا يعتبر كافيا لعودة خطوط الملاحة المهاجرة من مصر، وفقا للخبراء.

وينص القرار الجديد على منح تخفيضات للسفن حمولة أقل من 80 ألف طن، بنسبة 30%، وتصل إلى 40% للسفن ذات حمولة أعلى من 80 ألف طن، ويُمنح للسفن التي تتداول حاويات ترانزيت “شحن – تفريغ”، التي يزيد عددها على 50 حاوية، نسبة تخفيض مضروبة في عدد الحاويات، وبحد أقصى 60%.

خفض رسوم الموانئ

وخلال العامين الماضيين، تأثر ميناء بور سعيد تأثرا كبيرا، بسبب المنافسة مع الموانئ المقابلة على البحر المتوسط، وهروب الخطوط الملاحية من شرق بور سعيد لارتفاع الرسوم، وهو ما سحب البساط من الشركة في تجارة الترانزيت.

وتعود الخسارة إلى قرار وزارة النقل رقم 488 لسنة 2015، بشأن لائحة مقابل الخدمات التي تؤدَّى للسفن في الموانئ البحرية المصرية، وتطال نحو 16 خطا ملاحيا، مما جعل اتفاقيات التعاون ترحل عن شرق بور سعيد في 2017، وتتجه إلى ميناء بيريوس اليوناني، كما أن قرار الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس رقم 121 لسنة 2018، أسهم في تقليص الأثر السلبي للقرار السابق بشكل محدود.

ولتفادي الخسائر، تحاول الحكومة تحقيق استقرار الملاحة بحزمة من القرارات، أبرزها خفض رسوم الموانئ المرتفعة، إذ قال كامل الوزير، وزير النقل: “إنه جرى خفض رسوم الموانئ من أجل تنشيط حركة الملاحة”.

وأضاف الوزير، في تصريحات تلفزيونية: “أنه في العام الماضي قامت خطوط ملاحية عالمية بهجرة الموانئ المصرية نتيجة ارتفاع رسومات الخدمات”، لافتا إلى أن هناك تحالفات عالمية كبيرة جرت، وامتلكوا موانئ ومحطات حاويات، وبدأوا في إجراء عملية انسحاب من الموانئ المصرية، بحجة أن الرسوم مرتفعة.

وحول تداعيات القرار، أوضح وزير النقل أن مصر ستخسر 1.1 مليار جنيه هذا العام بعد خفض رسوم الموانئ، ومنح التوكيلات حوافز حتى تعود مجددا للموانئ المصرية، متوقعا أنه على المدى الطويل سيُجرى تعويض أي خسارة، واستعادة كل الخطوط  الملاحية.

عوامل سياسية وتجارية

فيما قال اللواء أيمن صالح، رئيس قطاع النقل البحري بوزارة النقل: “إن تحديد إيجابيات وسلبيات أي قرارات في النقل البحري لا يمكن الحكم عليها إلا بعد مرور ثلاثة إلى ستة أشهر، ومن ثَمّ فإن الخطوات التي سيُجرى اتخاذها، ستكون بناء على تقييم القرارات السابقة”.

وردّا على توقّعه بعودة الخطوط المنسحبة، على خلفية القرر رقم 800 لمزاولة الأنشطة الملاحية، قال “صالح”: “إن عودة الخطوط الملاحية ليست قاصرة على قصة رسوم الخدمات فقط، لكن هناك عوامل أخرى سياسية وتجارية لها تأثيرات، منها على سبيل المثال: الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والأزمة الإيرانية، إضافة إلى حركة التجارة العالمية نفسها”.

وأشار إلى أن خفض رسوم الموانئ كان له تأثير إيجابي ملموس، من خلال تنشيط حركة السفن المترددة على الموانئ المصرية والعابرة لقناة السويس، وتنمية الاستثمارات.

وأضاف: “أن حصة مصر من الترانزيت منخفضة بصورة كبيرة، وأن التحالفات العالمية التي تتعامل أو كانت تتعامل مع شرق بور سعيد مثلا لا تمثل سوى 40% من حجم تلك الخطوط، وبالتالي هناك 60% أخرى يتعين أن يُجرى العمل على جذبها، وزيادة حجم أعمالها”.

وفي سياق موازٍ، نجحت مصر في الفوز بعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية الفئة “C” وذلك خلال الانتخابات التي أُجريت بالعاصمة البريطانية لندن، إذ حصلت مصر على 132 صوتا، من إجمالي 165 دولة لها حق التصويت.

انتعاش السوق

وكانت الموانئ المصرية قد خرجت واحدا تلو الآخر من السباق العالمي، لتتفوق عليها موانئ عديدة بالمنطقة العربية، والبحريْن المتوسط والأحمر.

فيما توقّع عدد من الخبراء والمَعنيين بالشأن البحري أن يشهد نشاط تموين السفن، خلال المرحلة المقبلة، حالة من الانتعاش، بعد موافقة المجلس الأعلى للموانئ على خفض رسوم الموانئ وممارسة النشاط بنسبة 45%.

بينما أوضح آخرون أن الموانئ بحاجة إلى حل المشكلات التي تراكمت عبر سنوات طويلة من قصر في الأرصفة، وعدم عمق الغاطس، وضعف الخدمات المقدمة للسفن العابرة، وهو ما يجعل الشركات التجارية البحرية العالمية تتوجه إلى الموانئ الأخرى المطلة على البحريْن الأبيض والأحمر.

وحسب تقرير وزارة النقل، يتضمن ميناء شرق بور سعيد أعمق غاطس، بعمق 19 مترا، يليه ميناء السخنة، بعمق 17 مترا، وسائر الموانئ تتراوح أعماقها بين 11 و14 مترا، وهو ما يعني أنها تستقبل السفن الخفيفة، التي يكون غاطسها أقل من 11 و14 ومن 19 مترا.

وتمتلك مصر 15 ميناء، ستة موانئ تقع على البحر المتوسط، وتسعة موانئ على البحر الأحمر، إضافة إلى موانئ الصيد، وبعضها يحتاج إلى تعميق الغاطس، وتطويل الأرصفة، لكي تصلح لاستقبال السفن التجارية الكبيرة، التي تنقل حمولات كبيرة من البضائع والحاويات.

خطة وزارة النقل

وقبل أيام، أعلنت عن تنفيذ إستراتيجية متكاملة لتطوير منظومة النقل البحري بعناصره، من خلال خمسة محاور رئيسة: الموانئ البحرية، والأسطول البحري، والأنشطة والخدمات، والطرق والسكك الحديدية، والعنصر البشري، وأنه في ضوء هذه الإستراتيجية جارٍ إعداد مخطط شامل، لتطوير الموانئ البحرية المصرية.

وذكر أن التطوير في الموانئ لا ينحصر في تطوير البنية الأساسية فقط، بل يمتد ليشمل البنية المعلوماتية، وميكنة الإجراءات داخل الموانئ، وربط جميع الأجهزة العاملة داخل مجتمع الميناء، من خلال منظومة واحدة، لتفعيل نظام الشباك الواحد، للتسهيل على المتعاملين مع الميناء، وربطها بالمراكز اللوجيستية على مستوى الدولة، بالإضافة إلى تطوير إجراءات التأمين والسلامة البحرية من خلال وسائل الإرشاد والتعميق في الممرات المائية المختلفة.

رقية كمال

شاهد المزيد

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *