بعد أعوام من التعثّر في مفاوضات سد النهضة، والتي انتهت برفع راية الفشل والتصريح بأن المفاوضات وصلت لطريق مسدود، بدأ وميض من الأمل يلوح في الأفق مرة أخرى، من اجتماع واشنطن الذي دعت له أمريكا.
الاجتماع دعت له أمريكا بطلب مصري سابق لتدخل وسيط دولي رابع، وأسفر عن الإعلان على اتفاق وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان، على الاستناد إلى المادة العاشرة من اتفاق “إعلان المبادئ” الموقّع في 23 مارس عام 2015، في حال لم يجر التوصل إلى اتفاق بشأن النقاط الخلافية بحلول 15 يناير 2020.
لكن تصريحات أخرى للوفد الإثيوبي المشارك في الاجتماع ألقت بظلال من الشك على وجود جدية إثيوبية للوصول إلى اتفاق، وبما يشعر أن إثيوبيا لن تتوقف عن المناورة، وحينها لن يبقى أمام القاهرة من فرص الحل سوى تدويل القضية والضغط على أديس أبابا عبر وسطاء.
الماده 10 من اتفاق المبادئ
كشفت الوفود الثلاثة المشاركة في اجتماع واشنطن أن المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ تنص على أن: “تقوم الدول الثلاثة بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول أو رئيس الحكومة”.
كانت مصر قد طالبت بالاستناد إلى المادة العاشرة الشهر الماضي، وذلك إثر تعثّر المفاوضات خلال جولة المباحثات التي عُقدت في العاصمة السودانية الخرطوم. ويحدد الاتفاق الجديد مسارا وجدولا زمنيا للتوصل إلى اتفاق نهائي حول أزمة سد النهضة. كما يحدد خطوتين تصعيديتين في حال فشلت اللجان الفنية في التوصل لاتفاق.
وبحسب البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، وافقت مصر وإثيوبيا والسودان على عقد 4 اجتماعات فنية حكومية على مستوى وزراء المياه، بهدف الوصول إلى اتفاق يعود بالنفع على جميع الأطراف حول تشغيل السد.
كما اتفق الوزراء على عقد اجتماعين في واشنطن في 9 ديسمبر و13 يناير المقبلين لتقييم ودعم التقدّم.
اجتماع واشنطن
وبينما أعلنت القاهرة، الخميس، أن اجتماع واشنطن بخصوص سد النهضة الإثيوبي كان “إيجابيا”، لم يصدر أي رد فعل عن الجانب الإثيوبي، سوى تصريحات غامضة للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية.
وقال وزير الخارجية سامح شكري: إن اجتماعات واشنطن حول سد النهضة، بمشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولي، أسفرت عن “نتائج إيجابية من شأنها ضبط مسار المفاوضات وأن تضع له جدولا زمنيا محددا”.
وأضاف في بيان أنه “تقرر عقد أربعة اجتماعات عاجلة للدول الثلاثة على مستوى وزراء الموارد المائية وبمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي تنتهي بالتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة خلال شهرين بحلول منتصف يناير2020”.
في المقابل قال نيبيات غيتاشيو المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية فى تصريحات صحفية، إن بلاده لا تعتبر هذه المباحثات مجالا للتفاوض الفني، لكنها نشارك فيها كما تفعل بقية الأطراف بهدف توضيح موقفهم.
وأضاف غيتاشيو: “هذه ليست مفاوضات، والولايات المتحدة ليست وسيطا، ولا يمكن أن تكون هذه هي اللهجة الصحيحة للحوار”.
فيما قال كاميرون هدسون، المسئول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية وعضو مركز إفريقيا في مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية: إن اجتماعات واشنطن والتي حضرها وزير الخزانة الأمريكي، وليس وزير الخارجية، “لم تكن مبرمجة” وأنه لا يتوقع الوصول إلى حل.
وبموجب إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاثة مصر وإثيوبيا والسودان: “إذا لم ينجح الأطراف في حل النزاع عبر المفاوضات، يمكنهم حينها اللجوء لطلب الوساطة”.
خسائر مصر
ويأتي اجتماع واشنطن في ظل مخاوف مصرية من تفاقم أزمة المياه عندها، لأن إثيوبيا شرعت في ملء السد الواقع في منبع النيل، وهو ما قد يؤثر على حصتها البالغة 55 مليار متر مكعب.
وكشف إكو فان بيك، المسئول بالمكتب الاستشاري الهولندي دلتارس، عن بعض أضرار سد النهضة على مصر جراء تشغيل السد وملء وإعادة ملء بحيرة التخزين، خاصة في حالات الجفاف ومن بينها تأثر بحيرة ناصر.
وبحسب فان بيك، فإن أول أضرار سد النهضة على مصر تتمثل فيما يلي:
- نقص حصة المياه بدرجة تؤدي إلى استبعاد بعض المناطق من الرقعة الزراعية، بما يؤثر على الإنتاج.
- الاضطرار لاستيراد كميات أكبر من الغذاء، بما يعادل 430 مليون دولار، فضلا عن ارتفاع أسعار السلع في السوق المصرية.
- نقص الكهرباء المولدة من السد العالي.
- تأثر الثروة السمكية، وبالتالي القطاع البشري الذي يعمل بها.
وتستند مصر إلى حقوق تاريخية بموجب اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تمنحانها ما يقدر بـ55 مليار متر مكعب سنويا، كما تمتلك مصر حقّ الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع.
لكن إثيوبيا تقول إنها ترفض الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة سابقة لتحديد حصص المياه.
فرص الحل
على الجانب الآخر، ففي حال فشلت المفاوضات، وأحدثها اجتماع واشنطن الرباعي، فإن مصر لا تملك من فرص الحل سوى تدويل القضية والسعي إلى الضغط على الدول التي تعمل شركاتها في بناء السد، وكذلك اللجوء إلى الأمم المتحدة باعتبار أن القضية تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.
بالإضافة للسعي في إقناع الدول العربية التي تربطها علاقات اقتصادية بإثيوبيا، وفي مقدمتها السعودية والإمارات والكويت، للضغط على أديس أبابا من أجل التوصل لاتفاق يحفظ الحقوق المصرية في حصتها من مياه النيل، إضافة لعرض القضية على الشركاء الاقتصاديين المهمين بالنسبة لإثيوبيا وفي مقدمتهم الصين والاتحاد الأوروبي، كل ذلك في ظل الترقب لإحداث تقدم بعد اجتماع واشنطن لتحريك الأزمة.
أضف تعليق