التقارير وأسعار الصرف المعلنة تظهر ارتفاع قيمة الجنيه المصري خلال الفترة الماضية، بعد أن شهد حالة من التقلبات الحادة طوال السنوات الثلاثة الماضية منذ قرار التعويم في نوفمبر 2016، وهو القرار الذي على أثره شهدت مصر حالة من التوتر الاقتصادي غير المسبوق، صحبها ارتفاع كبير في أسعار غالبية السلع، وذلك نتيجة ارتفاع العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري.
وبلغ سعر الدولار نحو 19.52 جنيها خلال عام 2016، ليصل حاليا إلى مستوى 16.17 جنيها وهو أقل سعر للدولار في البنوك حاليا، ليرتفع سعر الجنيه بنحو 335 قرشا، وصعد سعر الجنيه المصري بأكثر من 10% أمام الدولار الأمريكى منذ بداية العام الجاري وحتى الآن.
وآثار ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار تساؤلات وتطلعات عن انعكاس ذلك على المواطنين وتأثيره على انخفاض الأسعار مع هبوط سعر الدولار، خصوصا أن الكثير منهم يعبر عن عدم شعوره بالتحسن في الأحوال المعيشية والاقتصادية.
ارتفاع قيمة الجنيه
ويتوقع خبراء ومراقبون استمرار ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار بعد تحقيقه تحسنا خلال العام الجاري، إذ قال بنك الإمارات دبي الوطني: إن الجنيه المصري ارتفع بنسبة تزيد على 10.7% مقابل الدولار الأمريكي خلال العام الجاري 2019.
وأوضح في تقرير أن عائد السندات المصرية يبدو أكثر جذبا حينما نضيف إليه استقرار الجنيه، الذي تداول في نطاق ضيق ما بين 16.13 و17.98 جنيها هذا العام.
وتوقع البنك استمرار ارتفاع الجنيه بالوتيرة الحالية العام المقبل، لكنه سيرتفع بوتيرة متباطئة إلى 16 جنيها بنهاية 2019، و15.5 جنيها بنهاية 2020، بينما يبلغ متوسط سعر شراء الدولار فى البنوك حاليا نحو 16.08 جنيه، ونحو 16.18 جنيها للبيع، وفقا لبيانات البنك المركزي.
وأشار التقرير إلى أن الجنيه أعلى من متوسطاته على المدى الطويل، ما يعني أن أي ارتفاع يجب أن يجرى إخماده أو سيكون على حساب التنافسية، منوها بأنه في ظل عدم أهمية الصادرات في دفع النمو الاقتصادي بقدر الأثر الإيجابي للجنيه في التضخم والاستهلاك، قد تميل الحكومة إلى عدم إثارة حفيظة قاعدة السياح التي بدأت في الاتساع منذ بداية برنامج الإصلاح.
انخفاض سعر الفائدة
كما توقع تقرير البنك أيضا أن يخفض البنك المركزي سعر الفائدة 5% خلال الـ12 شهرا المقبلة، لافتا إلى أن الجنيه لن يبقى عند مستوياته الحالية.
وذكر التقرير أن ضغوط الطلب وارتفاع الإنتاج الخاص، بجانب وصول رحلة ارتفاع قيمة الجنيه لنهاية المطاف، بوسعها أن تجعل الأسعار تنمو بوتيرة أسرع لكن أقل من 10%، لتسجل في المتوسط 7% خلال 2020.
وقال البنك: إن الطريق ممهد فى ظل فائدة حقيقية هي بين الأعلى عالميا، تتجاوز 8.5% بعد تراجع التضخم لأقل من 5%، وهذه النقطة تحديدا قد تقود الأجانب لزيادة اهتمامهم بالدين المحلي أكثر، في وقت يصارع فيه المستثمرون مع فائدة حقيقية سالبة في الاقتصادات الكبرى.
وأضاف البنك أنه “في الوقت نفسه، التراجع الكبير للتضخم سيشجع البنك المركزي على خفض الفائدة بمعدلات أكبر وهو ما يضع ضغوطا على عوائد المستثمرين ويقوض حماسهم للدين المحلي”.
وأوضح التقرير أن خفض الفائدة يحفز استمرار وتيرة التوحيد المالي، إذ يقلص فاتورة الفوائد، لافتا إلى أن مصر حققت فائضا أوليا خلال العامين الماضيين، لكن مستويات الدين المرتفعة وتكلفة الدين حدّت من تراجع مستوى العجز المالي فاستقر عند 8.2% من الناتج المحلي.
كما توقع تقرير البنك حدوث تراجع في الاحتياطيات الأجنبية إلى 42 مليار دولار، كما توقع أيضا ارتفاع حجم الدين المحلي كنسبة للناتج المحلي الإجمالي إلى 97%.
استمرار انخفاض الدولار
من جانبه أوضح رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، أن الدولار سيواصل خسائره أمام الجنيه خلال الشهور المتبقية من عام 2019.
وتابع عبده في تصريحات صحفية “الدولار قد يستكمل أيضا سلسلة خسائره في عام 2020 إذا واصلت إيرادات الدولة ارتفاعاتها من العملة الصعبة”.
وأضاف أن ما تسبب في ارتفاع قيمة الجنيه وتراجع سعر الدولار خلال 2019 وفرة المعروض منه بعد تحسن إيرادات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، بجانب تراجع الطلب عليه بعد استبدال العديد من السلع المستوردة بسلع محلية الصنع.
احتكار السلع
أما بخصوص شعور الموطن واستفادته من ارتفاع قيمة الجنيه وتراجع سعر الدولار، رأي مراقبون أن المواطن لن يشعر بتحسن الأوضاع رغم انخفاض الدولار أمام الجنيه، قبل أن تنخفض أسعار السلع.
فمن جانبه قال رشاد عبده: إن الموطن لن يشعر بتأثير في تراجع سعر صرف الدولار إلا بعد أن تنخفض أسعار السلع، موضحا أن مصر مازالت تعتمد على استيراد أكثر من 70% من احتياجتها الأساسية من الخارج.
وأوضح أن بعض التجار مازالوا يحافظون على هوامش ربحهم الكبيرة حتى بعد انخفاض سعر الدولار، لذلك لابد أن يخفضوا هوامش ربحهم بما يتماشى مع هبوط سعر صرف الدولار حتى يشعر الموطن بتأثير تراجع سعر صرف الدولار.
كما ذكر أحمد شيحة، عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، أن السبب الرئيسي وراء عدم انخفاض أسعار السلع والمنتجات رغم انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه المصري، بشكل تدريجي 135 قرشا، هو الاحتكار الذي يعوق ذلك.
وأضاف “شيحة”، أن الدولار مكون رئيسي في التكلفة الصناعية والتجارة والاستيراد، إذ نعتمد على استيراد المكونات الرئيسية لبعض السلع بنسبة 100% والسلع الأقل من 70% إلى 80%، وعدم انخفاض السلع مع انخفاض الدولار جاء بسبب احتكارات السلع التي تتحكم في التكلفة وهوامش الربح، ويجب كسر هذه الاحتكارات، مؤكدا أن الحكومة استطاعت السيطرة على بعض السلع مثل الأسمنت وكسرت الاحتكار عليها.
وأوضح أن الاحتكارات هي السبب في ارتفاع الأسعار وأن المحتكرين هم مَن يتحكمون في الأسواق، حتى مع انخفاض الدولار، ساخرا: “طالما سايب المحتكر يتحكم فى السلع ككم ومعروض وتكلفة وهوامش ربح، يعمل اللي هو عاوز يعمله”.
أضف تعليق