ما زالت أزمة هجرة الأطباء للعمل في المستشفيات الحكومية تتصدّر المشكلات التي يعاني منها القطاع الطبي في مصر، كونهم العنصر الأساسي الذي تقوم عليه المنظومة الطبية ككلّ.
وتكتسب الأزمة طبيعة خاصة، إذ تُعد المستشفيات الحكومية ملاذا لقطاع كبير من المرضى غير القادرين على تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة.
هجرة الأطباء من مستشفيات الحكومة “أزمة خطيرة ومتشعّبة” بحسب وصف النائب طارق متولي، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، الذي أكّد أن أحد أوجه الأزمة يتمثّل في الاستقالات المتوالية لعدد كبير من الأطباء، ما دفع الحكومة للبحث الدائم عن حلول للأزمة.
هجرة الأطباء
وأوضح متولي في طلب إحاطة تقدم به لعلي عبد العال، رئيس البرلمان، أن أكثر من 4 آلاف طبيب تقدموا باستقالاتهم حتى الآن، وخاصة أطباء المناطق الريفية، مشيرا إلى أن ما يزيد من الأزمة هو وجود خلل في توزيع الأطباء بين المناطق الريفية والمدن الحضارية، وكذلك في توزيع التخصصات الطبية.
وأشار إلى أن عدد مُقدمي الرعاية الطبية في مصر لا يتعدى 2.2 إلى كل ألف مواطن في مصر، رغم إعلان منظمة الصحة العالمية أن الحد الأدنى لعدد مقدمي الرعاية الطبية هو 3.4 إلى كل ألف مواطن، ما يعد مؤشرا خطرا على المستشفيات والمواطنين المصريين، بحسب قوله.
ويرى متولي، أن أهم أسباب هجرة الأطباء وتقديم الاستقالات الجماعية من المستشفيات الحكومية تتمثل في:
- ضعف رواتبهم.
- عدم تقديم بدل عدوى مناسب لهم.
- كثرة حالات الاعتداء على الأطباء بالمستشفيات.
- بيئة العمل غير المؤهلة.
- ضعف فرص الدراسات العليا وتكاليفها المرتفعة مقارنة بدخول الأطباء.
- منع الإجازات دون مرتب، ما يضّطر الطبيب الراغب في تكوين أسرة إلى تقديم استقالته والهجرة، حتى يتسنّى له العمل بالخارج لعدة سنوات.
وطالب النائب بوضع إستراتيجية عاجلة وسريعة لوقف هجرة الأطباء إلى الخارج، مؤكدا أن المشكلة ليست في أعداد الخريجين.
إنشاء وحدة جديدة
وفي إطار محاولات حل أزمة هجرة الأطباء من العمل في مستشفيات الحكومة، أصدرت وزيرة الصحة والسكان، مساء السبت، قرارا وزاريا، بإنشاء وحدة تابعة لقطاع مكتب وزير الصحة والسكان، تُسمى “وحدة شئون مُقدمي الخدمة الطبية”، تختص بإدارة مشروع تحسين بيئة العمل للعاملين بالقطاع الصحي.
وتعد تلك الخطوة هي المرة الأولى التي يُنشأ فيها كيان حكومي داخل وزارة الصحة، يكون مسئولا عن أعضاء المهن الطبية بشكل عام، وكلّفت الوزيرة أحمد نصر الدين، عضو المكتب الفني لوزير الصحة، للعمل مديرا للوحدة.
وفي تصريحات صحفية، قال رئيس الوحدة الجديدة: “أنهم سيواجهون وضعا صعبا للغاية، وهناك تراكمات حدثت منذ سنوات طويلة، ومن ثَمّ فإن الأمر لن يكون سهلا”.
وأوضح أن كثيرا من الأطباء يستقيلون من الحكومة، ليسافروا إلى الخارج، ووعد بتقديم حوافز للأطباء ستغير هذا الأمر تماما، وأنهم في وحدة شئون مُقدمي الخدمة الطبية، سيفتحون كل الملفات التي كانت مغلقة، والتي لم يقترب أحد منها منذ سنوات.
وحدد نصر الدين أربعة ملفات رئيسية، ليُجرى البدء بها عقب تدشين الوحدة رسميا يوم 20 أكتوبر المقبل، وهي:
- تأمين المستشفيات من الاعتداءات المتكررة عليها.
- إعادة النظر في منظومة الأجور للطواقم الطبية والأطقم المعاونة لهم.
- إعادة هيكلة منظومة التدريب والتعليم الطبي في مصر.
- تصميم قواعد البيانات وميكنة الخدمات والأوراق المتعلقة بمُقدمي الخدمة الصحية.
إصدار قانون
وعن تأمين المستشفيات ضد الاعتداءات المتكررة، كشف نصر الدين في تصريحات صحفية، عن مسودة مشروع قانون جديد يُغلّظ عقوبة التعدى على الأطباء وباقي مُقدمي الخدمة الصحية، تعمل عليه وزارة الصحة والسكان بالتعاون مع وزارة العدل.
نصر الدين أشار إلى توجيهات رئيس الوزراء، بسرعة الانتهاء من مسودة مشروع القانون، ولفت إلى عرضها على مجلس الوزراء، لاعتمادها، ثم إرسالها إلى مجلس النواب لإقرارها خلال دور الانعقاد الحالي.
ويتضمن القانون الجديد عقوبات متدرجة للتعدي على مقدمي الخدمة الطبية، بداية من السب والقذف، حتى التعدي على الأفراد، وكذلك المنشآت أو تجهيزاتها أو أصولها.
وأكّد نصر الدين أنه يدرك تماما أن تدني الأجور الخاصة بالأطقم الطبية يعد سببا رئيسيا لما وصفه لـ”هجرة الأطباء” لافتا إلى وجود توجيهات رئاسية بإعادة النظر في منظومة الأجور الخاصة بالطواقم الطبية ككل.
وعن مشكلة ضعف فرص الدراسات العليا، وتكاليفها المرتفعة، أوضح رئيس الوحدة الجديدة أنه سيُجرى العمل على توسيع نطاق الزمالة المصرية، كما يُجرى التباحث مع الكلية الملكية البريطانية، وجامعة هارفارد الأمريكية، بشأن توقيع بروتوكول لتنفيذ برامج بعثات ترسل للخارج.
وفيما يتعلق بصعوبة الحصول على إجازات كأحد أسباب اللجوء للاستقالة وهجرة الأطباء العمل في مستشفيات الحكومة إلى الأبد، قال نصر الدين: “إنه سيُجرى عمل قاعدة بيانات إلكترونية لكل العاملين في المهن الطبية بمصر، ليكون تحت أيدينا قاعدة بيانات متحركة، تقول لنا مَن في الخدمة ومَن إجازة، ومكان عمله”.
مقترحات سابقة
ويواجه القطاع الطبي عجزا حادا في عدد الأطباء العاملين بالحكومة، وفي يوليو الماضي أعلن النائب مجدي، مرشد عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، عن أن نسبة العجز في عدد الأطباء العاملين بالحكومة تجاوز الـ50%.
وأوضح أن عدد الأطباء في الوقت الحالي 56 ألف طبيب، بينما العدد المطلوب هو 103 آلاف، ما يوضح أن هناك عجزا كبيرا يتجاوز الـ50%”.
وفي محاولة لحل مشكلة العجز في عدد الأطباء، أعلن مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في يونيو الماضي، دراسة تخريج دفعات استثنائية من خريجي كليات الطب، في ظل العجز الشديد بأعداد الأطباء.
وأعلن زيادة أعداد الطلاب المقبولين بكليات الطب، والتوسع في إنشاء كليات طب بشري جديدة حكومية أو خاصة أو أهلية.
وأثار القرار موجة انتقادات حادة في النقابة والقطاع الطبي والمَعنيين به بشكل عام، إذ وصفه بعضهم بالتهريج والعبث بصحة المواطنين.
أضف تعليق