في إطار خطة الدولة لإعادة إحياء المظهر التاريخي إلى مدينة الفسطاط، أعلنت وزارة الإسكان عن ملامح خطة تطوير منطقة عين الصيرة بعد إزالتها.
وأُنشئت المنطقة الواقعة في الركن الشمالي الشرقي لحي مصر القديمة، والمحصورة بين شارعيْ مجري العيون شمالا وصلاح سالم جنوبا، وتحفُّها من الغرب منطقة المدابغ، أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
وتعد منطقة عين الصيرة أول تجمع سكني متكامل، يضم 144 بلوكا، تحتوي على 8 آلاف وحدة سكنية، تتوسطهم حديقتان وثلاث أسواق.
تطوير عين الصيرة
وخلال حقبة الستينيات، كانت منطقة عين الصيرة، مزارا لضيوف مصر، بسبب روعتها وجمالها، قبل أن تتحوّل بفعل الإهمال إلى بؤرة عشوائية بالقاهرة.
وفي الحديث عن تلك المنطقة، لا يفوتنا الإشارة إلى بحيرة عين الصيرة، التي كانت مزارا يقصده مرضى العظام والروماتيزم وغيرها من الأمراض، ولكن بعد اختلاط المياه الكبريتية بمياه الصرف الصحي عزف عنها الجميع.
بدأ مسلسل الإهمال بقرار عاطف صدقي، رئيس الوزراء، في نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، بتحويل حديقتيْها إلى وحدات للإيواء العاجل.
وتفاقم الإهمال أعقاب ثورة يناير 2011، ليمتد إلى كل مرافق المنطقة، ويشمل استيلاء سماك على أحد المجمعات الاستهلاكية التابعة لشركة “الأهرام” وتحولها إلى “كوفي شوب” وسط صمت تام من مسئولي الشركة.
بينما احتلت المباني التي أقامها الأهالي دون ترخيص جميع أرصفة شوارع المنطقة، واختفت تماما ملامح البلوكات الأصلية بفعل “الملاحق” التي شيدها الأهالي خلفها، ولم يسلم موقف أتوبيس النقل العام من التعديات أيضا، وفقا لشهادة الأهالي.
ومن جهته، رفض عبد الخالق عزوز، رئيس حي مصر القديمة، آنذاك، اتهامه بالتقصير، وقال في تصريحات صحفية: “إن الحي حرّر محاضر لجميع المخالفين، وأُصدر قرارات إزالة لكل التعديات، وأرسلها للشرطة للتنفيذ، ولكنها رفضت استلامها”.
حصر وإزالة
وفي 31 أكتوبر 2018، أعلن خالد صديق، مدير صندوق تطوير العشوائيات: “أن مجلس الوزراء وافق على إدراج ثلاث مناطق في الخريطة القومية للعشوائيات، توجد في منطقة مجرى العيون، هي: أبو السعود، عين الحياة، وعين الصيرة”.
قال صديق: “إن الصندوق يواجه صعوبات في التفاوض مع الأهالي بشأن التعويضات، متمثلة في عدم الثقة عند قاطني العشوائيات، إلا أن يُجرى التغلب عليها بطرح البدائل”.
وتابع صديق، في مداخلة تلفزيونية: “نتفاوض على ما هو أفضل للمواطن.. كل مواطن عاوز الأفضل”.
وفي نهاية يناير 2019، أرسلت الوزارة لجان إلى المنطقة لحصر الملاك والساكنين، لنقلهم إلى وحدات سكنية بالأسمرات، بمقابل إيجارات يتراوح من 700 إلى 1000 جنيه شهريا.
وبحسب الأهالي، لم يُجرّ أخذ المحلات التجارية أو الورش الفنية في الاعتبار، وأكدت اللجان للأهالي أن المنطقة سيُجرى إزالتها بالكامل.
وقال عدد من الأهالي في تصريحات صحفية: “إنهم لا يعلمون مصير محالهم بعد الإزالة، ولم يُجرَ طرح بدائل أو خيارات، ولا مشاركتهم في مخطط التطوير”.
وفي 23 فبراير 2019، بدأت أعمال الهدم والإزالة للمنازل والمنشآت، في منطقة عين الصيرة من مراحل عمليات إزالة المنطقة، وإخلاء سكانها منها، ونقلهم إلى منطقة الأسمرات.
نزاع على الملكية
وأعلنت محافظة القاهرة وصندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان، الانتهاء من إخلاء منطقة عين الصيرة من سكانها، وعددهم 70 أسرة، ونقلهم إلى مشروع (الأسمرات 3) ضمن خطتها لتطوير شارعيْ الفسطاط والبحيرة ومدينة الفواخير بحي مصر القديمة، في نهاية أغسطس الماضي.فيما لا تزال 200 أسرة أخرى تقطن على أطراف بحيرة عين الحياة في المنطقة ذاتها، مطالبة بمساكن بديلة مقابل التخلي عن منازلها، في الوقت الذي تنفي المحافظة والصندوق صحة أوراق ملكيتهم.
فيما أكد مدير صندوق تطوير العشوائيات، أنه لم يُجر تسليم المنطقة التي جرى إخلائها من خلال المحافظة إلى وزارة الإسكان حتى الآن، وليس لديه أي معلومات حول خطوات تنفيذ الإخلاء باعتبارها من اختصاص العاصمة لحين الانتهاء.
عين الحياة
ومن جهته، زار مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، منطقة عين الحياة بمصر القديمة، في 12 سبتمبر الجاري لمعاينة الإزالات، وذلك أعقاب تداول صور توضح التهام الكلاب الضالة لرفات الموتى بالمنطقة.
واستعرض خالد عبد العال، محافظ القاهرة، آخر مستجدات أعمال الإزالات في منطقة عين الحياة المجاورة لمتحف الحضارة، وأفاد بأنه جرى إزالة المنطقة بالكامل، وهم 241 عقارا، وجرى تسكين 69 أسرة بمساكن المحافظة بمدينة 6 أكتوبر.
وأضاف: “أن المحافظة أزالت 56 مقبرة في منطقة عين الحياة، وجارٍ تعويضهم بأماكن بديلة بمدينة 15 مايو، وفحص التظلمات بمعرفة لجنة برئاسة نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية لدراسة استحقاق الأسر المتضررة من عدمه”.
وأوضح مصطفى عبد العزيز، السكرتير المساعد لمحافظة القاهرة، في تصريحات صحفية، أن عامل الهدم أثناء قيادته للودر الهدم، اعتقد أنه جرى الانتهاء من نقل جميع رفات الموتى، وكان قد تبقى جبانة خاصة بإحدى الجمعيات الخيرية، وقام العامل بهدمها، وعندما شاهد الرفات تركها كما هي، ولم يخبر أحدا بما حدث، مشيرا إلى أن المحافظة نقلت جميع الرفات إلى مقابر بمدينة 15 مايو.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا، كشفت التهام الكلاب الضالة رفات الموتى بمخلفات الهدم في منطقة عين الحياة المجاورة لبحيرة عين الصيرة بعد إزالتها بالكامل، التي تأتي ضمن خطة الدولة لتطوير منطقة الفسطاط والمناطق العشوائية، ما أثار حفظية الأهالي.
وقال عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية: “إنه سيُجرى تطوير منطقة عين الصيرة قريبا كمرحلة ثانية في خطة تطوير القاهرة التاريخية”، مشيرا إلى أنها ستكون منطقة للأنشطة الترفيهية والتجارية والمطاعم والكافتيريات.
وأضاف وزير الإسكان، خلال لقائه مع الإعلامي رامي رضوان في برنامج “مساء dmc” على قناة “dmc”: “أن جزءا من أرض منطقة عين الصيرة سيُطرح للاستثمار الفندقي، وسيتكامل مع أنشطة متحف الحضارة الذي سيُجرى نقل المومياوات له من المتحف المصري الكبير”.
أضف تعليق