أهالي النوبة.. هل يتحقق حلم العودة إلى “أرض الذهب”؟

أهالي النوبة
أهالي النوبة يناضلون من أجل العودة إلى أراضيهم التي هجروا منها منذ أكثر من قرن - مصر في يوم

“44 قرية على مساحة 350 كيلو مترا مطلّة على النيل وهانئة بالخيرات”، تلك هي أرض الذهب، ووطن أهالي النوبة قبل التهجير الكبير، مع بناء السد العالي عام 1964، الذي تسبّب بفيضانات في عشرات القرى.

منذ ذلك الحين، وأغلب أهالي النوبة يحلمون بالعودة لأرضهم، خصوصا بعد إقرار المادة 236 من دستور 2014 التي تنص على: “أن الحكومة ملزمة بإعادة توطين أهالي النوبة في مناطقهم الأصلية، وتنمية تلك المناطق في غضون عشر سنوات”.

ولم تمر أشهر قليلة على التصويت للدستور حتى صدر قراران جمهوريان يلغيان تلك المادة، ثم وافق البرلمان في 5 يونيو 2018، على مشروع قانون تنمية الصعيد، الذي قضى تماما على آمال أهالي النوبة في العودة، فما هي قصة أهالي النوبة، وما هي العراقيل التي تحول بينهم وبين العودة إلى ديارهم “أرض الذهب” على مدار عقود؟

أهالي النوبة

يحتفل أهالي النوبة في مختلف أنحاء العالم في السابع من شهر يوليو كل عام باليوم العالمي للنوبة، وطرح الفكرة عدد من التكتلات النوبية عام 2004.

وأقامت دول ومدن ومنظمات اليوم العالمي للنوبة، منها: استكهولم، وحلفا، والكونجرس، وبريطانيا، وذلك لكثرة الجالية النوبية بها.

واسم النوبة مشتق من كلمة نوب، وتعني الذهب، وسميت المنطقة بذلك لوجود أكبر مناجم الذهب في أرضها، التي امتدت تاريخيا من جنوب مصر إلى جنوب نهر النيل، وضمت دول حوض النيل: إثيوبيا، وتنزانيا، والسودان، والكونغو.

ويُعد أهالي النوبة من أقدم الشعوب المتحضرة في العالم، الذين تمركزوا حول نهر النيل آلاف السنين فيما يعرف الآن بجنوب مصر وشمال السودان.

وكانت النوبة القديمة تنقسم إلى ثلاث مناطق جغرافية، هي:

  • المنطقة الشمالية: التي يسكنها النوبيون الكنوز، ويتحدثون اللغة الماتوكية.
  • المنطقة الوسطى: ويسكنها العرب، وتضم ست قرى.
  • المنطقة الجنوبية: ويسكنها النوبيون الفاديجا.

التهجير الكبير

بدأ تهجير أهالي النوبة عام 1902 على فترات متقطعة مع العمل في “خزان أسوان” لحل مشكلة فيضان النيل، إلا أن التهجير الكبير جرى عام 1963، عندما بدأت الحكومة المصرية في بناء السد العالي، إذ جرى تهجير 44 قرية نوبية من أراضيها.

ومن وقتها ويناضل أهالي النوبة من أجل العودة إلى ضفاف بحيرة ناصر القريبة من قراهم الأصلية، لكن وعود الحكومات المتعاقبة على مدار نصف قرن لم تجد فرصة للتنفيذ، حتى جاء دستور 2014 وأعطاهم الأمل في حق العودة.

لكن لم يكد النوبيون يستشعرون الفرحة، حتى وأدها قراران جمهوريان 444 لسنة 2014، و355 لسنة 2016، إذ يقضي القرار 444 باعتبار 16 قرية نوبية أراضٍ حدودية عسكرية.

بينما يخصص القرار رقم (355) 922 فدانا من الأراضي المملوكة للدولة، من أراضي النوبة، للبيع بالمزاد العلني أو حق الانتفاع، لمصلحة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لاستخدامها في إقامة مجتمع عمراني جديد (امتداد مدينة توشكى الجديدة) ضمن مشروع زراعة 1.5 مليون فدان.

التهديد بالتدويل

ولما شعر أهالي النوبة أن الهيئة الجديدة ستبيع أملاكهم إلى مستثمرين بأسعار لا يستطيع المزارعون النوبيون تحمّلها، بدأ عدد من الناشطين في النوبة باتخاذ خطوات عملية لتدويل قضيتهم، ضمن إجراءات أخرى، في محاولة لضمان حق العودة.

في تلك الأثناء، اعتقلت قوات الأمن 24 من أبناء النوبة، في الرابع من سبتمبر 2017، أثناء مسيرة سلمية، مستخدمين الدفوف والغناء في محافظة أسوان.

ويعتبر أهالي النوبة أن أرضهم أصبحت مطمعا لكثير من الجهات التي توّد بناء “كومباوندات” ومشاريع عقارية استثمارية، فهي أراضٍ تطل على النيل مباشرة، ومرشحة لأن تكون منطقة حرة، نظرا لاعتبارها منفذا بريّا كبيرا يربطها بالسودان، لذلك تماطل الدولة في تسليمها لهم متذرعة بالحجج الأمنية.

لا للتدويل

من جهته، شكّك النائب النوبي، ياسين عبد الصبور، في قرار اللجوء للتدويل حاليا، مبديا تفهمه للمخاوف الأمنية بالنسبة للنوبة.

وقال: “إن التعامل مع وجود مجموعة لها حقوق على الحدود يُجرى النظر إليه دوما كتهديد أمني”، لكنه يرفض مزاعم وجود أفكار انفصالية لديهم، ويشير إلى أن الأمر لا يتعدى كونه محاولات من مجموعة من الأمنيين للاسترزاق من كتابة التقارير الأمنية.

وحذر عبد الصبور من أن تأجيل الاستجابة للاستحقاقات الدستورية، الذي سيخلق مناخا غاضبا قد يؤدي لتفجير الوضع في أي لحظة.

حروب الجيل الرابع

وشنّ الإعلامي أحمد موسى هجوما على الناشطين من أهالي النوبة المشاركين في مؤتمر بعنوان “العودة حق”، معتبرا توصيات المؤتمر “رسالة تهديد للدولة المصرية”.

فيما وصف سياسيون بمركز الدراسات السياسية في الأهرام توصيات المؤتمر بأنها استقواء بالخارج، وفعل يمس استقلال البلاد وسلامة أراضيها.

وربطوا ما قام به الناشطون النوبيون، وما أسموه “حروب الجيل الرابع”، التي من أدواتها جذب أبناء الدولة نحو أعمال تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، لتحويل الدولة المستهدفة إلى دولة فاشلة، يستطيع أعداؤها التدخل والتحكم فيها.

أما الناشطة الحقوقية النوبية فاطمة إمام، فتقول: “إن الوقت أثبت لنا أن كل الضمانات الدستورية مجرد حبر على ورق”.

ورغم تأييدها لفكرة التدويل، ترى أنها لن تأتي بأي نتائج إيجابية، وأن المشكلة ستستمر رغم خطورتها الأمنية.

عمر الطيب

شاهد المزيد

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *