أضرارها طالت البر والبحر والجو، وتمتد إلى أجيال لاحقة من الإنسان وباقي الكائنات، هذا غير ما تكبده لخزينة الدولة من إهدار مليارات سنويا، تلك هي الأكياس البلاستيكية التي انتفض العالم مؤخرا لتدارك أخطارها.
فمؤخرا، كشفت هبة شوقي، المديرة التنفيذية لجمعية المحافظة على البيئة “هيبكا”، أن الأكياس البلاستيكية تصيب بالتسمم والعقم، وتحدث اضطرابات في الغدد والهرمونات، وتضعف الجهاز المناعي، فضلا عن مشاكل الجلدية.
وأضافت “شوقي”، أن الأكياس البلاستيكية تؤدي إلى زيادة تخزين الدهون، وتذوب في المواد الدهنية داخل الجسم، مما يؤدي لتشوهات في الأجنة والإصابة بالسرطان، واضطرابات في الجهاز العصبي، وخلل في القدرات العقلية على المدى البعيد.
أضرار مستديمة
وأوضحت المديرة التنفيذية لجمعية المحافظة على البيئة، أن البلاستيك يتسبب في نفوق نحو 100 ألف كائن بحري كل عام، بالإضافة إلى مليون طائر من الطيور البحرية تنفق هي الأخرى جراء ابتلاع مواد وبقايا مخلفات بلاستيكية.
وعن حجم ضررها على المحيطات، أشارت هبة إلى أن هناك أكثر من 5 تريليونات قطعة من المخلفات البلاستيكية في مياه المحيط الهندي، كيس واحد منها قادر على قتل عدة كائنات بحرية لصعوبة تفكك أو تحلل مادته.
وحيث إن الأكياس تصنع من المواد النفطية، فإنها تحتاج إلى مئات السنين لتتحلل بشكل طبيعي، فضلا عن كونها غير قابلة للتحلل العضوي، والطريقة الوحيدة للتخلص منها تكون بالحرق، مما يلوث الهواء والمياه والزراعات.
مصر على الخريطة
وخطت العديد من البلاد الأوروبية خطوات واسعة في حظر استخدام الأكياس البلاستيكية، إلا أن أول خطوة عملية لمصر في هذا الباب كانت عام 2017، حيث دشنت مبادرة بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لتشجيع المواطنين على تقييد استخدامهم للأكياس البلاستيكية.
وفي الأول من أبريل الماضي، قرر أحمد عبد الله، محافظ البحر الأحمر، حظر الأكياس البلاستيك، وتوزيع أكياس بديلة على الموطنين، وجمع الأكياس البلاستيكية من الباعة في الأسواق، بهدف حماية الحياة البرية والبحرية.
وبدأ تنفيذ قرار المحافظ الذي حمل رقم 498 لسنة 2019، اعتبارا من الأول من يونيو الجاري، ليتم الحظر النهائي لأكياس وأدوات البلاستيك في أنشطة الأطعمة والمشروبات، مع حظر الاتجار فيها، عدا الأكياس الثقيلة الخاصة بتجميع القمامة.
أرقام صادمة
وفي دراسة حديثة لوزارة البيئة، كشفت وصول إجمالي عدد الأكياس المستهلكة سنويا في مصر إلى 11 مليار شنطة، بينما تستهلك أوروبا مجتمعة 88 مليون كيس سنويا، أي أن مصر تستهلك 125 ضعفا قدر القارة الأوروبية.
يعد هذا الرقم مخيفا إذا ما اتضح لنا أن مصر تنتج فقط 28% من البلاستيك المُستهلك محليا، فيما يجرى استيراد 72% من الخارج بالعملة الصعبة، ويبلغ حجم النمو السنوي في سوق طلب البلاستيك نحو 6% سنويا.
وفي نفس السياق، لفت المهندس ضياء حمزة، مدير غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، إلى وجود 500 مصنع بأنحاء الجمهورية للصناعات البلاستيكية، مقابل 50 مصنعا فقط للشنط الورقية.
من جهتها، كشفت المهندسة ميسون نبيل، مدير برنامج التحكم في التلوث الصناعي بوزارة البيئة، أن توزيع استخدام أكياس البلاستيك يتنوع بين:
- 25% لمحلات البقالة.
- 20% لباعة الخضراوات والفاكهة.
- 17% للمخازن.
- 14% لمحلات السوبر ماركت.
- 8% لقطاعات أخرى.
- 6% للمطاعم.
- 5% للصيدليات.
- 3% لمصانع الملابس الجاهزة.
- 2% للمكتبات.
ما البديل؟
لكن، هل يجرى القضاء حقا على الصناعة البلاستيكية؟ خصوصا أن ثورة اللدائن في ثمانينيات القرن الماضي غيرت حياة البشر وسهلت الكثير من المهام التي كان عنصر الأساس فيها البلاستيك.
توضح المديرة التنفيذية لجمعية المحافظة على البيئة، أن الأكياس الورقية والحقائب القماشية أكثر أمانا وقابلة لإعادة الاستخدام، مشيرة إلى أن ربات البيوت يُمكنهن العودة لاستخدام “الشبكة” كما كن يفعلن لحمل الخضروات أو الخبز.
ويقول نادر عبد الهادي، عضو مجلس إدارة شعبة البلاستيك باتحاد الصناعات: إن أية مواد بلاستيكية يجرى استخدامها فيما له صلة بصحة الإنسان والحيوان يجب أن تكون “خام بيور”، مُستشهدا في ذلك بالعبوات المُستخدمة في الأدوية والشامبو.
من جهتها، بينت المهندسة ميسون نبيل، مدير برنامج التحكم في التلوث الصناعي بوزارة البيئة، أن البدائل الرئيسية للأكياس البلاستيك أحادية الاستخدام، هي: “أكياس قابلة للتحلل– أكياس متعددة الاستخدام– أكياس ورقية– أكياس غير منسوجة”.
تحرك رسمي
وصرحت ميسون أن وزارة البيئة أعدت خطة وطنية للإنتاج والاستهلاك المستدام، جاء على رأسها مشروع “الحد من استهلاك الأكياس البلاستيكية”، بالتعاون مع جهات أخرى، للعمل على تغيير سلوك وثقافة المستهلك.
وتقدمت النائبة أنيسة حسونة، عضو مجلس النواب، الاثنين الماضي، باقتراح لرئيس مجلس الوزراء ووزيري البيئة والصناعة، بشأن إلغاء استخدام الأكياس البلاستيك في مصر والاستبدال بها مواد صديقة للبيئة، لتأثيرها على الصحة.
وأوضحت النائبة في تصريحات صحفية، أن المقترح يهدف للتخلص من أكياس البلاستيك تماما بحلول 2030، بشرط توافر الجهود والبدائل، مع تعميم تجربة البحر الأحمر، ووقف التصريح بإقامة مصانع جديدة للبلاستيك.
تحركات عالمية
من جهتها، تحركت أوروبا بشكل قانوني لحظر استخدام أكياس البلاستيك، فأقرت الدنمارك كأول دولة عام 1993، قانونا بدفع بدل نقدي للحصول على كيس بلاستيك، ما قلل استهلاكها بنسبة 60%، وتلتها أيرلندا، ليعلن الاتحاد الأوروبي أن انخفاض الاستهلاك في 2019 سيصل إلى 80%.
وفي دراسة له منذ سنوات، قدر الصندوق العالمي للطبيعة موت 100 ألف حوت وسلحفاة بحرية سنويا نتيجة تناولها أو تعرضها للأكياس البلاستيك، وأن 70% من موت الماشية في العاصمة الموريتانية نواكشوط نتيجة تناولها هذه الأكياس.
دفع الأمر عددا كبيرا من الدول الإفريقية لحظر استعمال الأكياس البلاستيك، أولها رواندا، وآخرها كينيا في مارس 2017، بعدما فرضت غرامة على استخدام الأكياس البلاستيكية، حدها الأدنى 19 ألف دولار وحدها الأقصى 38 ألف دولار، ووصلت عقوبة الاستخدام للسجن 4 سنوات.
أضف تعليق