على مدى عشر سنوات ارتفعت حوادث الهجرة غير النظامية للمصريين، وتزايدت أعداد الغارقين من الشباب في مياه البحر خلال رحلتهم للتسلل إلى بعض دول الاتحاد الأوربي لأسباب، لعلّ أهمها اليأس من عدم تحقيق طموحاتهم، وآمالهم في حياة كريمة ومستقبل أفضل، فاتجهوا للبحث عن ذلك عبر رحلة إلى المجهول.
ويلجأ الشباب للسفر خلسة ربّما بلا جواز سفر ولا أوراق ولا هوية باستعمال مركب بحري يرميهم في المياه الإقليمية للبلد الذي يقصدونه، بينما يكملون المسافة للوصول إلى بوابته عن طريق السباحة، ففيهم من يصل مرهقا، وفيهم من تصل جثته، ومنهم من يُلقى القبض عليه.
وتعد مصر محطة رئيسية لعصابات تهريب المهاجرين غير النظاميين، إذ تغادر مراكب صيد متهالكة موانئ دمياط والإسكندرية، وعلى متنها مهاجرين، من مصر ومن جنسيات أخرى، باتجاه إيطاليا أو اليونان، في حين يفضل العديد منهم تقصير مسافة العبور انطلاقا من ليبيا.
الأسباب والدوافع
وبحسب مجموعة دراسات بحثت في أسباب الظاهرة ودوافعها في مصر، فقد أكّدت أنها تعود إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتتلخّص في:
- البطالة، وعدم توافر فرص عمل.
- ارتفاع معدلات الفقر، وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
- ازدياد هجرة الريفيين، بسبب تآكل الرقعة الزراعية، والتوسع العمراني.
- التفاوت الطبقي الشديد.
- الغيرة بين الشباب العائد من الهجرة بعد تجربة ناجحة، ما أدّى إلى مزيد من التطلع للسفر حتى لو كان هناك مخاطرة.
- تعقييد إجراءات الهجرة القانونية.
محافظات مصدرة للمهاجرين
أظهرت دراستان للمركز القومي للبحوث الاجتماعية، بشأن الهجرة غير النظامية للشباب والأطفال في المجتمع المصري، من سن 18 إلى 35 سنة، أن المحافظات الأكثر تصديرا للمهاجرين غير النظاميين هي الوجه البحري: الشرقية، والدقهلية، والقليوبية، والمنوفية، والغربية، والبحيرة، وكفرالشيخ، أما محافظات الوجه القبلي فهي: الفيوم والمنيا، وأسيوط، والأقصر.
وقالت الدكتورة نبيلة مكرم: “إن محافظة المنيا هي أكثر المحافظات تصديرا للشباب “القصّر” إلى إيطاليا، وذلك لأن إيطاليا تمنحهم الإقامة إذا جاءوا بطريقة غير شرعية، وتدخلهم المدارس للدراسة ولتعليم اللغة، إلا أننا نجد هؤلاء الأطفال يهربون من المدارس من أجل العمل، وجلب المال، ومن هنا يتم استغلالهم في الحصول على المال بطرق غير شرعية، وهي مشكلة أكبر، ولذلك فإن الهجرة غير الشرعية قضية أمن قومي في المقام الأول”.
وأوضحت أن هناك أكثر من 2500 طفل مصري موجودين في إيطاليا بطريقة غير شرعية، يتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 18 عاما، مشيرة إلى أن الحد من الهجرة غير الشرعية قد يكون في إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، في المحافظات المصدّرة للعمالة للخارج.
مكافحة الظاهرة
يرى الدكتور عمرو هاشم، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ومسؤول ملف الهجرة، أن الهجرة غير النظامية والخارجة عن قانون الدولة أصبحت خطرا على مصر بعد تزايد محاولات الهجرة بشكل ملحوظ منذ عام 2011 وحتى عام 2016، بسبب التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر في الوقت الحالي.
وأضاف هاشم: “مؤسسات الدولة في آخر ثلاثة أعوام بدأت تنتبه لمشكلة الهجرة غير النظامية، واتّخذت الإجراءات القانونية اللازمة، وحاليا مراكز البحوث في مصر تكثّف جهودها للقضاء على هذه المشكلة عن طريق وضع حلول للأسباب التي تدفع الشباب للهجرة”.
وأشار إلى أن أبرز هذه الحلول تتمثّل في:
- دعم التنمية كأساس لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتوفير البدائل الإيجابية لفرص العمل في مصر.
- رفع الوعي العام بقضية الهجرة غير النظامية ومخاطرها.
- تعبئة الموارد اللازمة لدعم جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية.
- حماية الفئات الأكثر عُرضة لمخاطر الهجرة غير النظامية من الفقراء والمهمشين.
- تغليظ العقوبة على تجار الهجرة غير النظامية من خلال تفعيل مواد القانون.
تشريع برلماني
وفي 7 نوفمبر عام 2016، نشرت الجريدة الرسمية قانونا أقره ووافق مجلس النواب لمكافحة الهجرة غير النظامية وتهريب المهاجرين، وينص على:
- تعاون الجهات القضائية والأمنية المصرية المعنية بمكافحة تهريب المهاجرين، مع نظيراتها الأجنبية، من خلال تبادل المعلومات والمساعدات أو غيرها من الصور.
- أن يعاقب بالسجن أو بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تتجاوز مائتي ألف جنيه ، كل مَن ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسّط في ذلك.
- تكون العقوبة بالسجن المشدّد، وغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه، ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه، وذلك ما إذا كان الجاني قد أسّس أو نظّم أو أدار جماعة إجرامية منظّمة لأغراض تهريب المهاجرين، أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضما لها.
- يعاقب الجاني بالسجن المؤبّد، وغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه، في حالات، وذلك ما إذا كانت الجريمة اُرتكِبت بواسطة جماعة إجرامية منظمة، أو تنفيذا لغرض إرهابي، أو نتج عنها وفاة المهاجر أو إصابته بعاهة مستديمة.
ونجحت أجهزة البحث الجنائي بقطاع الأمن العام بالاشتراك مع أمن الإسكندرية، أمس الأربعاء، في ضبط أحد العناصر الإجرامية الخطرة محكوم عليه، هارب من تنفيذ 26 حكما قضائيا، ومتورط في عدد من عمليات الهجرة غير النظامية.
وما زالت الصحف تطالعنا يوميّا بأنباء عن غرق أحد مراكب الهجرة غير النظامية، وموت العشرات من مستقليها من الشباب والأطفال، وهو ما يعزيه محمد عز العرب، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى استمرار تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى وجود فجوة بين دول الإرسال “مصر” ودول الاستقبال للمهاجرين، تتمثّل في التنمية، وارتفاع مستويات المعيشة، وتوافر فرص العمل، وارتفاع الدخل.
أضف تعليق