تمتلئ الحياة السياسية في مصر بوفرة لا مثيل لها من الأحزاب التي وصل عددها إلى 98 حزبا، وفقا لبعض الإحصائيات، إلا أن أغلبها لا يعرفه المصريون، ولا يوجد إلا على الأوراق، بينما تطالعنا كل يوم أنباء عن انقسامات وخلافات داخلية في أروقة بعضها، التي كان آخرها حزب الوفد، الذي تشتعل أروقته حاليّا بأزمة يراها مراقبون تهدّد تواجده، كل ذلك رغم دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي مرارا إلى ضرورة وضع حلول لإنقاذ هذه الأحزاب من الضعف، ودراسة إمكانية دمجها في كيانات قوية.
ويدفعنا اختفاء عدد كبير من الأحزاب، وكثرة الخلافات الداخلية للتساؤل عن أسباب ضعف الأحزاب المصرية بهذا الشكل، رغم ما أتيح لهم من حرية منذ ثورة يناير، ورغم تكرار الاستحقاقات الانتخابية التي من المفترض أن تكسبها خبرة وتفاعلا تزيد من قوتها بدلا من صورتها الحالية.
الأحزاب بعد يناير
شهدت الحياة السياسية عقب ثورة يناير تفاعلا كبيرا، انعكس على عدد الأحزاب السياسية في مصر، إذ تزايد عدد المهتمين بالعمل السياسي، وارتفعت المشاركة الشعبية على الأرض بشكل واضح.
فيما تغيّرت الصورة بعد 30 يونيو، وواجهت الأحزاب مشكلات داخلية متعدّدة، أبرزها الضعف التنظيمي والمؤسسي، وضبابية الرؤية السياسية، وتقريبا انعدم وجود أي تواصل بينها وبين الجماهير، وهو ما يعني أن الحياة الحزبية في مصر في رمقها الأخير إن لم تكن لفظت أنفاسها الأخيرة.
أزمة تمويل
يرى رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي وحيد الأقصري أن أبرز أسباب أزمات الأحزاب بعد 30 يونيو هي التمويل، مضيفا: “إن الأحزاب التي تملك المال هي مَن تحقّق أهدافها كالمصريين الأحرار أوالوفد، أما باقي الأحزاب التي ألغيت عنها المال فلم يعد لها وجود “.
ولفت الأقصري في تصريح له إلى أن عدد الأحزاب وصل بعد ثورة يناير لما يقرب من 106 أحزاب، مؤكّدا أن أغلبها لا تمتلك موارد مالية، ولا تبرعات، ولا اشتراكات.
أيّده في القول علاء عصام، أمين الشباب بحزب التجمع، مؤكّدا أن ضعف المقدرات المالية للأحزاب جعلها تعاني من مشكلات بنيوية مختلفة.
وأوضح عصام، في تصريح صحفية: “إن زيادة عدد الأحزاب السياسية بشكل سريع خلال الفترة الماضية، أعطت فرصة لظهور أحزاب على الساحة، أساءت إلى صورة الأحزاب السياسية، وبخاصة وأنها تعمل في دور مشوّه بالفعل، ولا تقدّم ما يحتاجه المواطن”.
واعتبر أحمد حنتيش، المتحدث باسم حزب المحافظين، أن ضعف التمويل هو سبب من أسباب موت الحياة الحزبية على الساحة، مشددا على وجوب وجود مصادر تمويل مستقلّة بجانب التبرعات والاشتراكات التي تعدّ مصدر تمويل ضعيف، مضيفا: أن التعددية الحزبية أيضا جدّدت الأزمات التي تعاني منها الأحزاب السياسية.
تشابه البرامج
وفي السياق ذاته، أرجع يسري العزباوي، الباحث بالنظم الانتخابية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أزمة الأحزاب لعدة عوامل، أبرزها: عدم وجود أعضاء وكوادر جديدة تنضم إليها، على الرغم من ما شهدته مصر من حراك سياسي بعد ثورتين.
وأضاف العزباوي في تصريح صحفي: “إن من بين أسباب ضعف الحياة الحزبية أيضا تشابه البرامج السياسية إلى الحدّ الذي لا يمكّنك من التفرقة بين الحزب الليبرالي واليساري”.
اندماج الأحزاب
ظهرت دعوات عديدة لاندماج الأحزاب المصرية، باعتبارها الحل أمام الضعف الحالي، وكان السيسي أول من حمل لواء الدعوة للاندماج من خلال تأكيده في أكثر من مناسبة على ضرورة تأسيس كيانات قوية.
وطالب السيسي من وسائل الإعلام تبنّي حملة تدعو الأحزاب للاندماج في عشرة أحزاب، بدلا من عددها الحالي.
واتفق بهاء أبوشقة، رئيس حزب الوفد، ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب مع الحملة، داعيا لتنافس حزبين إلى أربعة في حياة حزبية قوية.
وعلى الرغم من تلك الدعوى المتكررة إلا أن فكرة الاندماج تواجه معضلة دستورية، تتمثّل في الحاجة لتشريع جديد على لائحة البرلمان بشأن “الصفة الحزبية” للنائب، إذ ينص القانون على أنه لاستمرار عضوية أحد أعضاء المجلس أن يظل محتفظا بصفته الحزبية التي تم انتخابه على أساسها.
كما تواجه تلك الدعوى مخاوف أخرى، تتمثّل في احتمالية إحياء تجربة “الحزب الحاكم” التي مرت بها مصر من قبل، فيما شهدت مصر تجربتي دمج في أوقات سابقة، أبرزها اندماج حزبي الكرامة والتيار الشعبي، تحت مسمى “تيار الكرامة” الذي كلل بالنجاح.
فيما فشلت تجربة اندماج تحالفي الوفد المصري والتيار الديمقراطي، خلال الاستعداد للانتخابات البرلمانية، عام 2015، كما فشلت تجربة اندماج حزبي المصريين الأحرار والجبهة الديمقراطية من أجل تشكيل نواة لتيار ليبرالي.
اقرأ أيضا:
أضف تعليق