تصاعدت وتيرة حالات الانتحار في المجتمع، وأصبحت حوادث الانتحار خبر يومي في أغلب مواقع الأخبار، بين القفز من النافذة، أو القفز أمام المترو أو القطار، تتفق أهداف المنتحرين في إنهاء أزماتهم بالتخلّص من الحياة بأكملها، وخلف كل حالة انتحار أسباب متنوعة اقتصادية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو خلافات أسرية، أو حتى أمراض نفسية.
واللافت للنظر أن تلك الحالات على الأغلب بين الشباب أكثر من غيرهم، إلا أن انتشار الظاهرة بهذا الشكل يجعل ناقوس الخطر يدق في المجتمع، ويدفع للبحث عن أسبابها وعلاجها.
حوادث انتحار يوميا
تتكرر حوادث الانتحار بشكل شبه يومي، ولعل أشهر تلك الحوادث الفيديو الشهير الذي انتشر منتصف يوليو الماضي، ويظهر إلقاء فتاة نفسها أمام المترو، لا تتجاوز العشرين من عمرها، نتيجة خلافات أسرية، وضغوط نفسية مرّت بها.
وكشفت آخر الإحصائيات المتاحة لمنظمة الصحة العالمية، أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، مما يعني انتحار ما لا يقل عن 88 ألف شخص كل عام.
يشار إلى أن تلك الإحصائيات تعود لآخر البيانات الرسمية المتوفرة عام 2014، فيما امتنعت وزارة الصحة في مصر عن تقديم أي إحصائيات بخصوص حالات الانتحار، وما ذُكِرَ من أرقام قُوبل باتهامات كثيرة، وأنها تقديرات جزافية وغير صحيحة.
وشهد الأسبوع الجاري منذ بدايته أكثر من ثلاث حالات انتحار، فأولها: يوم الأحد قيام شاب بإلقاء نفسه تحت عجلات المترو، بمحطة شبرا الخيمة، وثانيها: محاولة موظف في الشركة المصرية للاتصالات الانتحار في محطة مترو جمال عبدالناصر، مما أدى لبتر قدمه.
وثالثها: في محافظة الإسكندرية، يوم السبت الماضي، انتحار حلاق نتيجة لمروره بضائقة مالية، وفي نفس اليوم بمحافظة المنوفية انتحر شاب لرفض أهله الزواج من فتاة كان مرتبط بها عاطفيا.
دوافع الانتحار
وتختلف الدوافع المعلنة للانتحار ما بين ظروف اجتماعية سيئة، أو أزمات مالية، أو أمراض نفسية، ويرى الدكتور كريم درويش، استشاري الطب النفسي والأعصاب، أن المنتحرين لا يهدفون سوى لإنهاء آلامهم النفسية لا حياتهم.
وأضاف في تصريحات تلفزيونية له: “أن المجتمع يهمل الألم النفسي الناتج عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي لزيادته، وانتهائه بالانتحار”.
وتابع: “إنه لا يجب التكبّر على الألم النفسي، بل يجب الاستماع لصاحبه، ومحاولة احتوائه، وحتى طلب المساعدة الطبية، كي يتم مواجهة الأزمة النفسية دون الوصول للانتحار”.
وقال الدكتور إبراهيم الغرباوي، الباحث في الطب النفسي: “إن الاكتئاب هو الدافع الأول للانتحار، لأنه يؤدي إلى سيطرة العجز والمعاناة على حياة المكتئب”.
وأوضح في تصريحات صحفية: “إن المريض يختار المترو للانتحار باعتباره الطريق الأسرع للموت”.
ثم تابع موضحا: “عقل المنتحر الباطن ينشأ فيه صراع ضد فكرة الانتحار، وأن الانسان الطبيعي لا يخضع لتلك الفكرة في النهاية، ولكن الذي يعاني من اضطراب نفسي يبدأ التفكير اللامنطقي يسيطر عليه، ويهزمه، ويصبح القرار أمر واقع صعب الرجوع فيه”.
البرلمان والانتحار
تصاعد تلك الحالات لم يجذب انتباه الأطباء النفسيين ووسائل الإعلام فحسب، ولكن انضمت إليهم الجهات الحكومية الأبرز في مصر، حيث قرّر مجلس النواب فتح ملف الانتحار خلال دور الانعقاد الرابع المقرّر في أكتوبر المقبل.
وقدّم النائب عمرو الجوهري، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، بطلب إحاطة موجّه إلى رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي حول ظاهره انتحار المواطنين، التي انتشرت في العام الجاري.
وطالب الجوهري في طلبه الذي قدّمه في منتصف أغسطس الماضي بتشكيل لجنة من وزارات التضامن، والأوقاف، والمالية لدراسة تداعيات أسباب انتحار المواطنين المتزايدة خلال الفترة الأخيرة.
أضف تعليق