السيسي في الصين.. هل يستبدل المحور الروسي بالأمريكي؟

الصين

جاء منتدى الصين إفريقيا الذي يشارك فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليكشف حلقة من حلقات تصاعد صراع النفوذ العالمي بين روسيا، والصين، والولايات المتحدة، والذي انعكس بشكل كبير على مصر اقتصاديا، وعسكريا، وسياسيا.

ففي الوقت الذي تواجه الصين وروسيا عقوبات أمريكية، نجد التوسع الصيني الإفريقي الذي يسعى لاستكمال خارطة إنشاء طريق الحرير، والتوسع التجاري والعسكري الواسع المتمثّل في استضافة 53 دولة إفريقية في الصين، ومصر في مقدمتهم، ومناورة عسكرية روسية واسعة النطاق هي الأكبر في البحر المتوسط في مواجهة تهديدات أمريكية لضرب النظام الروسي، وتبعه تحركات عسكرية أمريكية في البحر المتوسط.

الصين وتصاعد النفوذ

يُعدّ منتدى التعاون مع إفريقيا هو النموذج الأمثل للحديث عن تعاظم الدور الصيني مقابل الدور الأمريكي خارج الحدود الصينية، وبالتحديد في الدول محل السيطرة والنفوذ الدولي، إذ تستضيف الصين اليوم 53 دولة إفريقية، و27 دولة إفريقية، ومفوضية الاتحاد الإفريقي تسعى أغلبها للاستفادة من مبادرة الحزام وطريق الحرير، التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، فيما تسعى الصين لمد نفوذها عن طريقها، وهي المبادرة التي تهدف إلى بناء طريق حرير عصري يربط الصين برا وبحرا بجنوب شرق آسيا، ووسط آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا، وإفريقيا.

وسبق المنتدى تصاعدا قويا للصين كشريك اقتصادي للقارة الإفريقية، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين الصين وإفريقيا إلى نحو 170 مليار دولار، خلال العام الماضي 2017.

وسبق أن أشارت السلطات الرسمية الصينية لأهمية دورها في إفريقيا، وعن نيتها تعبئة تريليون دولار خلال 30 عاما، من أجل بناء الطرق، والموانئ، وخطوط السكك الحديدية، والمناطق الصناعية في الدول التي يمر بها الطريق الجديد، بما يساعد على تيسير التجارة، وفتح طرق جديدة أمام ثاني قوة اقتصادية في العالم.

وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ – في أكثر من مناسبة – على أن طريق الحرير لا يستهدف تحالف جيوسياسي أو عسكري، إلا أن مقال نشره موقع ناشيونال انترست للكاتب كريس أوسبورن تحدّث فيه عن تصاعد النفوذ الصيني في إفريقيا، مشيرا إلى أن هذا النفوذ لم يقتصر على الاقتصاد، بل رافقه تصاعدا عسكريا سريعا في القارة السمراء، يهدف إلى تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي.

وأضاف المقال المنشور في 23 أغسطس الماضي أن هذه الظاهرة تقلل الوجود الأمريكي، وتؤثر بشكل كبير على المؤسسات السياسية والإستراتيجية الأمريكية، ومصالحها داخل القارة.

ويرى الكاتب أنّ تحركات الصين في إفريقيا تتماشى مع استراتيجيتها الهادفة للتحول من العمل كقوة إقليمية مهيمنة، إلى العمل من أجل أن تصبح قوة دولية كبرى.

روسيا والزحف بقوة

تعد روسيا طرفا بارزا في صراع النفوذ العالمي، خاصة في مواجهة واشنطن، برز ذلك بشكل واضح عند تدخلها في روسيا، وحرصها على السيطرة على مجريات الأحداث التي سعى لها المجتمع الدولي، وضمانها استمرار حليفها بشار الأسد ونظامه، سواء بالمشاركة في الحرب داخل سوريا أو بمنعها لأي قرار ضد بشار الأسد.

وفي مصر، كان الاقتراب الروسي ومحاولات السيطرة مختلفة، حيث ارتكزت على العامل الاقتصادي والتجاري، وهو ما ظهر واضحا من إعلان الممثل التجاري الروسي في مصر نيكولاي أصلانوف، ارتفاع حجم التبادل التجاري بين موسكو والقاهرة في الفترة ما بين يناير – يونيو 2018 بنسبة 37%، مقارنة بنفس الفترة من عام 2017.

ويرى دكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية بالمركز الدولي للجيوبوليتيك بباريس، أن روسيا تحولت لقوة سياسية تتكلم مع الجميع، وتنظّم التقاطعات، وتراعي مصالح هذا وذاك، من أجل ضمان انتشار أوسع لنفوذها ومصالحها.

ولفت دياب في مقال له بعنوان “تصاعد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط” – المنشور في جريدة العرب أكتوبر 2017 – إلى أن موسكو تقوم برتيب أوراقها في المشرق، وشبه الجزيرة العربية، وتركيا، وإيران، وشمال إفريقيا، فيما تأتي سوريا في قائمة تلك الأولويات.

وفي إفريقيا، ألغت روسيا عام 2009 ما يقارب من 80% من ديونها الخارجية على إفريقيا، وأرسلت عام 2017 أول شحنة من الأسلحة إلى دولة وسط إفريقيا بعد حصولها على موافقة من مجلس الأمن، وقامت بالتوقيع مع شركات روسية للتعاون في المجال المنجمي مع حكومات إفريقية.

وبالتزامن مع التداخل الاقتصادي بدأت روسيا قبل أمس الأحد مناورة عسكرية هي الأكبر في البحر المتوسط ردّا على تهديدات أمريكية للنظام السوري، وبعد أيام من عبور مدمرة أميركية المياه الدولية للبحر المتوسط.

تعاون مصري صيني

انعكس الصراع الدولي على مصر بتصاعد العلاقات بين الدول الثلاث المتنافسة وبين مصر، وخاصة الجانب الاقتصادي، ففي العلاقات المصرية الصينية بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين ومصر 6.098 مليارات دولار أمريكي في الفترة من يناير إلى يوليو، فيما وصل حجم التجارة الثنائية بين الصين ومصر إلى 921 مليون دولار أمريكي في يوليو.

واحتلّت مصر حتى يوليو الماضي المرتبة 52 في قائمة أكبر شركاء الصين التجاريين، يضاف إلى ما سبق أنه تم اختيار مصر كضيف شرف في منتدى الصين إفريقيا المعقود في الوقت الحالي.

ظهر التداخل الروسي المصري منذ تولي عبدالفتاح السيسي الرئاسة في 2014 بالاتفاقيات والزيارات المتبادلة، فيما كانت الاتفاقيات الأبرز هي الاتفاقيات الأخيرة خلال 2016 وحتى 2018، حيث ارتفع التبادل بين البلدين من 2.22 مليار دولار في 2016، إلى 2.53 مليار دولار في 2017، وارتفعت الصادرات المصرية لروسيا بنسبة 27.3% في العام نفسه، ووصل حجم الاستثمارات الروسية في مصر إلى 62.9 مليون دولار في 417 مشروعا.

وسبق هذا التصاعد الاتفاق على إنشاء مدينة صناعية مشتركة في السويس عام 2015.

ووصل التعاون للجانب العسكري، حيث شهدت 2017 إجراء تدريبات هي الأكبر بين قوات المظلات المصرية والروسية، وحملت عنوان حماة الصداقة، وتم عقد اتفاقية تتيح لكلا البلدين استخدام القواعد الجوية في كل منها، وذلك عقب زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو القاهرة.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *