أثار غياب دور الإرشاد الزراعي الفعلي على مدار العقود القليلة الماضية ردود فعل متباينة بين المَعنيين والخبراء والقائمين على الزراعة في مصر، فبينما رأى البعض إلغاء القطاع ككل وتوفير مخصصاته المالية والاستعاضة عنه بالإرشاد الإلكتروني، يؤكد آخرون أهميته، والحاجة لتفعيله، وإعادة هيكلته.
وقال حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب الفلاحين: “إن قطاع الإرشاد الزراعي موجود ورقيا فقط، وما زال يكلّف وزارة الزراعة أعباء مالية كبيرة”.
وأكد نقيب الفلاحين، في تصريحات صحفية، أن دور الإرشاد الزراعي الملازم للفلاح في الأراضي الزراعية انقرض من سنوات، لكنه ما زال يتقاضى رواتب من وزارة الزراعة.
وأضاف: “أن إلغاء قطاع الإرشاد الزراعي لن يضر المزارعين، وسيوفر الملايين التي تُصرف تحت عنوان لا وجود له، رغم أهمية التوعية والإرشاد لتحسين أحوال الزراعة والإنتاج”.
الإرشاد الزراعي
وبحسب أبو صدام، فإن غياب المرشدين الزراعيين “أمر واقع” منذ سنوات، فأصغر مرشد زراعي موجود عمره 57 عاما، ولا يتحمل أن يصل إلى المزارعين في الحقول، ولا يوجد تعيينات لمرشدين جدد، ما يعني أن الفلاح أصبح مرشد نفسه، ويزرع بالاجتهاد.
ولفت نقيب الفلاحين إلى إمكانية تعويض غياب المرشدين الزراعيين على الأرض بالتوجه نحو الإرشاد الحديث عن طريق الهاتف المحمول، كحل لغياب الإرشاد الزراعي، بما يعرف بالإرشاد الإلكتروني لحل المشكلات التي تواجه المزارعين.
وأضاف: أنه لا شك في أن الفلاح يحتاج إلى الإرشاد المستمر والتوعية بأساليب وتقنيات الزراعة الحديثة التي تساعده في الوصول لتحقيق أهداف كثيرة، مثل:
- زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية.
- تقليل نسبة الأسمدة والتقاوي.
- ترشيد استهلاك المياه.
- تطبيق الممارسات الجيدة.
لكنه يرى أن بالإمكان توصيل كل ذلك للمزارعين عن طريق وسائل الإعلام المتخصصة لتطبيقها على أرض الواقع بأسلوب أيسر وميزانية أقل من تلك التي يستنزفها قطاع الإرشاد الزراعي.
وفي هذا السياق قال خالد مشهور عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب: “إن وزارة الزراعة بصدد إطلاق أول دليل لمبيدات الآفات الزراعية على أجهزة التليفون المحمول، ما يمثل طفرة بالإرشاد الزراعي”، مضيفا “أنه يأمل أن يحل الإرشاد الإلكتروني مشكلات الإرشاد الزراعي في مصر”.
وينضم محمد فرج، رئيس الاتحاد العام للفلاحين، إلى ما قاله أبو صدام، إذ قال في تصريحات صحفية: “إن المزارع لا يعوّل على دور الإرشاد الزراعي، لأن دوره اليوم يكتفي بعقد ندوات واجتماعات ولجان داخل غرف مغلقة، وصرف بدلات وحوافز فقط، ولا دور له الآن في العملية الزراعية”.
الإرشاد الإلكتروني
وعلى الصعيد ذاته، قال مجدي الشراكي، رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعي: “إنه لا يوجد حاليا إرشاد زراعي “الإرشاد مات وادفن” على حسب قوله، مؤكدا أن هناك ما يقرب من 7200 جمعية تخلو من المرشدين الزراعين.
وعلى الجانب الآخر، يرى رشدى عرنوط، نقيب الفلاحين بالصعيد: “إن حل المشكلة هو إسناد دور قطاع الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة رسميا إلى الجهات المختصة، وهو مركز البحوث الزراعية بمعاهده المتعددة لعودة دورة المرشد الزراعي بالغيطان، بدلا من إلغائه”.
وأضاف في تصريحات صحفية: “أنه في الوقت الذي غاب فيه المرشدون الزراعون تماما عن الحقول، هناك حملات قومية تقوم بها المعاهد البحثية بمركز البحوث الزراعية”.
أما النائب صبري يوسف، عضو لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي والثروة الحيوانية، بمجلس النواب، فأكد أهمية الإرشاد الزراعي والتواصل المباشر، ويطالب بالعودة إلى تنظيم دورات للمزارعين في كل جمعية زراعية.
وقال يوسف، في تصريحات صحفية: “إن الإرشاد الإلكتروني من الصعب أن يكتب له النجاح، نظرا لأن أغلبية المزارعين لا يجيدون التعامل معه”.
وبدوره، قال عصام برديسي، عضو لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي والثروة الحيوانية، بمجلس النواب: “إن الإرشاد الإلكتروني لا يتخطى كونه توجيهات مكتوبة لن تفيد الفلاح كثيرا”.
وأضاف: “أن أهم شيء لزيادة إنتاجية المحاصيل، تفعيل دور المرشد الزراعي من جديد”، مؤكدا ضرورة عودة دوره لرفع الإنتاجية.
وأكد أن التواصل الفعلي بين الفلاح والمرشد الزراعي له أهمية كبيرة في معرفة الفلاح بما يجب أن يزرعه في فترة معينة، وكيفية رعايتها، إلى جانب قدرتهم على زيادة المنتج في اقل مدة، مشيرا إلى أن ذلك لا يتوفر في الإرشاد الإلكتروني.
مشكلات وتوصيات
وقال جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي: إن غياب الإرشاد الزراعي مؤخرا أدى إلى تدهور الزراعة والإنتاج، وأصبح الفلاح بلا مرشد يقوم بتوجيهه”، لافتا إلى أن أهم أسباب اختفاء دور الإرشاد في خدمة الفلاح ترجع إلى:
- تدني رواتب المرشدين الزراعيين.
- عدم توفير وسيلة مواصلات للمرشدين الزراعيين.
- ارتفاع أعمار المرشدين الحاليين، ما يحول بينهم وبين النزول للحقول.
- عدم تعيين شباب أوائل الخريجين بالمحافظات لمرشدين زراعيين منذ 1984.
ومن جهته، رأى النوبي أبو اللوز الأمين العام لنقابة الفلاحين الزراعيين: “إن الدولة أخطأت حينما أوقفت تعيين مرشدين زراعيين جدد، خصوصا في ظل أزمات، مثل: تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية المصرية، وانتشار الآفات، ومع وجود 24 كلية زراعة حكومية ومعهدين خاصين، ونحو مليون مهندس زراعي في مصر 60% منهم يعانون البطالة”.
وبدوره، طالب زكريا الحداد، أستاذ الهندسة الزراعية والنظم بكلية الزراعة بجامعة بنها، بإعادة تفعيل دور المرشد الزراعي، الذي كان موجودا بصورة فعلية في الفترة من ستينيات إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وأشار إلى أن تلك الحقبة شهدت أعلى إنتاجية للفدان الواحد، وكان الفلاح يعيش بصورة أفضل من الآن، لما يجنيه من عائد مناسب، وهو ما يجب تطبيقه خلال العصر الحالي، الذي يواجه فيه الفلاح تحديات كبيرة، مثل: نقص مياه الري، وتفشي الأمراض والآفات الزراعية.
أضف تعليق