وسط قلق وتخوفات دولية، وقع 86% من مستخدمي الإنترنت وبخاصة المصريين ضحية انتشار الأخبار المضللة على الشبكة الإلكترونية، معظمها منتشر على صفحات موقع “فيسبوك”، رغم تأسيس الحكومة المصرية عشرات من المنصات والمواقع المتخصصة لتقليل من آثارها، والحد من انتشارها.
ووفقا لمراقبين، فإن الإستراتيجية التي تبنّتها وسائل إعلام حكومية، تعد سلاحا ذا حدين، فمع أنها تعتمد على السرعة في مواجهة الأنباء الكاذبة، إلا أنها تعطي فرصة لانتشارها.
وقد يكون تداولها على نطاق ضيق قبل أن تصبح مثار جدل عام، ويلجأ العديد من المواطنين للبحث عنها، وربما تصديقها نتيجة فقدان الثقة بينهم وبين بعض الجهات الحكومية، أو وسائل الإعلام التي تعرض من خلالها.
الأخبار المضللة
وكشف الثلاثاء الماضي، استطلاع رأي دولي، عن أن 86% من مستخدمي الإنترنت وقعوا ضحية أخبار مضللة على الشبكة الإلكترونية، معظمها منتشر على صفحات موقع “فيسبوك.”
وبيّنت نتائج استطلاع إيبسوس السنوي الذي يشارك فيه 25 ألف مستخدم للإنترنت في 25 بلدا، أن المستخدمين في مصر كانوا الأكثر سهولة في التعرض للخداع، بينما المشاركون في باكستان كانوا الأكثر تشككا، حسب الوكالة.
وجرى تحميل الولايات المتحدة حصة الأسد من المسئولية في نشر الأخبار المضللة، تليها روسيا، ثم الصين، وفق استطلاع يظهر أن الأخبار المضللة طاغية على موقع فيسبوك، لكنها موجودة أيضا على يوتيوب والمدونات وتويتر، بحسب ما توصّل إليه القائمون على الاستطلاع الذي نقلته “فرانس برس”.
وكشفت النتائج توسّع الشعور بانعدام الثقة في شركات مواقع التواصل الاجتماعي، وتعاظم القلق بشأن الخصوصية والتحيّزات المُعدّة سلفا، من خلال الخوارزميات التي تستخدمها شركات الإنترنت، وتعتمد عليها لإعطاء أفضلية لمنشور على حساب آخر.
وقال المسئول في الوكالة فين أوسلير هامبسون: “استطلاع هذا العام للاتجاهات العالمية لا يؤكد فقط هشاشة الإنترنت، لكن أيضا نمو الشعور بعدم الارتياح لدى المستخدمين تجاه وسائل التواصل الاجتماعي، والسلطة التي تفرضها هذه الشركات على حياتهم اليومية”.
انتشار الأخبار المضللة
وقالت نعايم سعد زغلول، رئيس المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: “إن مجلس الوزراء انتبه لمشكلة انتشار الأخبار المضللة خلال مواقع التواصل الاجتماعي في أكتوبر 2014، ومن ثَمّ بدأ في العمل علي حل هذه الأزمة، من خلال وحدة تقرير توضيح الحقائق بالمجلس”.
وأشارت زغلول في تصريحات لها، إلى أن المصريين يتعاملون مع الشائعات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وجاءت على رأسها موقع فيسبوك بنسبة 30%، ثم يأتي موقع تويتر، لافتة إلى أن الشائعات خلال العام الماضي استهدفت التعليم في المركز الاول، ثم التموين والصحة، للتشكيك في أي عملية تطوير تحدث داخل الحكومة.
وأكدت أن الوعي لدي المواطن المصري أصبح أكثر من الماضي، وبات هناك قدرة لدى المواطن للتفريق بين الحقيقة والأخبار المضللة، ومعرفة وسائل الإعلام الكاذبة.
إجراءات لمواجهة الشائعات
واتخذت السلطات المصرية مجموعة من الإجراءات، لمواجهة الأخبار المضللة المنتشرة في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ومن بين تلك الإجراءات سَنّ تشريعات جديدة، وتخصيص النيابة العامة أرقام هواتف لتلقي البلاغات عن الأخبار الكاذبة عبر تطبيق “واتس آب” والرسائل النصية القصيرة.
وتراهن الحكومة على المنصات والمواقع المتخصصة لدحض الأخبار المضللة، والرد عليها عبر هذه المنصات، للتقليل من آثارها، والحد من انتشارها، رغم الشكوك بقدرتها على التصدي لهذه المهمة.
وقالت سهير عثمان، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة: “إن الإستراتيجيات التي تتبعها وسائل الإعلام في المواجهة قد تحقق النتائج المرجوّة منها، في حال كانت هناك ثقة متبادلة بين المواطنين ووسائل الإعلام التي يتلقون منها المعلومات، وهو أمر لا يتوفر حاليا في ظل غياب مناقشة الإعلام للمشكلات الحقيقية التي يعاني منها المواطنون، والتركيز على الترفيه”.
وأضافت في تصريحات صحفية: “أن أحد علوم مواجهة الشائعات يرتبط بتجاهلها، وعدم الحديث عنها، إن لم تكن ذات أهمية كبرى بالنسبة للمواطنين، لأن بعضها قد يكون أساسا فقاعة اختبار لقياس اتجاهات الرأي العام قبل اتخاذ قرار بعينه، وبالتالي فإن تحقق الشائعة بعد فترة وجيزة يجعل من نفي الشائعة أسلوبا لتأكيدها”.
كيف تنتشر؟
ووفقا لعلماء النفس، فإن الأخبار الكاذبة تنتشر لأن الناس منغلقون، وأن الناس إلى البقاء في أمان “غرف الصدى” الخاصة بهم بدلا من البحث بنشاط عن معلومات جديدة عبر الإنترنت، بحيث يفضل الإنسان المحتوى الذي يوافق آراءه بدل التطلع إلى محتوى مختلف، وهذا ما تسهله مواقع التواصل اليوم.
وحلّلت دراسة سلوك مستخدمي فيسبوك لست سنوات، وكانت النتيجة أن استهلاك الأخبار عبر الإنترنت يقتصر عند معظم الأشخاص على عدد قليل جدا من الصفحات.
وتسمّى هذه الظاهرة بـ”التعرض الانتقائي”، وتتسبب في تشكيل مجتمعات ضيقة حول صفحات معينة على فيسبوك، ما يؤدي إلى مزيد من الفصل بين المستخدمين، كما أن الطريقة التي نُقيّم بها المعلومات الواردة هي عامل آخر لقابليتنا للأخبار المزيف.
في بحث أخير، وجد باحثون بلجيكيون أن قدرة الأفراد على الإدراك تحدد مدى قدرتهم على ضبط مواقفهم بعد تصحيح المعلومات الخطأ.
وكانت جريدة التايمز البريطانية قد نشرت دراسة حديثة، توصّلت إلى أن الحقيقة تستغرق ست مرات أطول من الأخبار المضللة التي يُمكن رؤيتها من قِبَل 1500 شخص على تويتر، مضيفة أن هناك مثلا يقول “إن الكذبة تقع في منتصف الطريق في جميع أنحاء العالم قبل أن تتمكن الحقيقة اللحاق بها”.
ومع ذلك فإن العلماء قاموا بتحديث المثل، وإن كان التحديث أقل شاعرية، من خلال اكتشاف أن الكذبة هي أيضا أكثر عرضة بنسبة 70% لمشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
أضف تعليق