ظلت تجارة التماسيح في مصر وتربيتها وتصديرها، بل وتهريبها للخارج، مزدهرة طوال السنوات الماضية رغم قرارات التجريم والمنع التي كانت تصدرها الحكومة، نتيجة توقيع مصر على اتفاقات دولية تجرم الأمر للحفاظ على التوازن البيئي.
تماسيح نهر النيل تعتبر ثروة ضخمة للمتاجرين فيها، وبحيرة ناصر خلف السد العالي بأسوان هو المكان الذي يزخر بالتماسيح، وهي محط أنظار الصيادين الذين عملوا في هذه التجارة المربحة غير عابئين بالقوانين التي كانت تجرم صيد التماسيح والتي جرى تخفيفها أو إلغاؤها مؤخرا.
تجارة التماسيح في مصر لم تتوقف سابقا في وجود القوانين، وزادت حاليا بعد إعلان وزارة الزراعة السماح للمواطنين بإنشاء مزارع لتربية التماسيح بشروط معينة، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل قررت الحكومة ممثلة في وزارة البيئة وبالتشارك مع القوات المسلحة عام 2016 اقتحام مجال التجارة المربحة بعد التنبه للمكاسب الضخمة من تصدير التماسيح وبيعها للخارج.
تجارة التماسيح في مصر
جلود التماسيح التي تعتبر من أثمن الجلود حيث تستخدم في صناعة الملابس والحقائب والأحذية، وقلة الأسماك في بحيرة ناصر وانعدامها في بحيرة قارون التي هرب منها الصيادون وانتقلوا للعيش حول بحيرة ناصر، وتراجع السياحة الوافدة إلى أسوان في السنوات الأخيرة، كل هذه العوامل أدت إلى ازدهار تجارة وتربية التماسيح في مصر.
ظل العمل في المهنة متزايدا رغم تأكيد بعض الباحثين أن أعداد التماسيح في بحيرة ناصر انخفضت إلى النصف من 2008/ 2009 إلى عام 2012، ثم انخفاضها مجددا بين عامي 2015 و2016، وذلك لزيادة معدلات اصطيادها الجائر من البحيرة، في حين كشف أحمد أبو السعود، الرئيس التنفيذي السابق لجهاز البيئة، أن عدد تماسيح بحيرة ناصر يبلغ نحو 32 ألفا.
وبحسب المتخصصين فإنه في حالة اختفاء التماسيح من منطقة بحيرة ناصر، فإن النظام البيئي في المنطقة المحيطة سيتضرر ويضطرب بشدة، وذلك لِما للتماسيح من دور رئيسي في التخلص من الأسماك الميتة والحشرات والقوارض والكائنات البحرية المهاجرة إلى البحيرة.
اتفاقات دولية
ورغم أن مصر من الدول الموقعة على اتفاقية استكهولم، والتي تجرم صيد التماسيح لتحقيق التوازن البيئي بالبحيرة، وحتى لا تتعرض إلى الانقراض، فإن معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض (سايتس)، وهي الهيئة التي تراقب تجارة الحيوانات البرية العالمية، سمحت بعودة تجارة التماسيح في مصر بنسب محددة.
سماح “سايتس” جاء بعد أن كانت مصر مدرجة على قائمة الدول التي تتطلب الحماية القصوى للحياة البرية، وهو ما استغله صيادو التماسيح لتقنين أوضاعهم بعد سنوات من التهريب والمطاردات.
عقوبة صيد التماسيح كانت تندرج تحت قانون البيئة لعام 2009، الذي يحظر القيام بصيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والكائنات الحية المائية، أو حيازتها أو نقلها أو تصديرها أو استيرادها أو الاتجار فيها، حية أو ميتة، كلها أو أجزاء منها أو مشتقاتها، أو القيام بأعمال من شأنها تدمير البيئة الطبيعية لها، وتصل العقوبة إلى غرامة مالية لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه.
قرار وزارة الزراعة
بينما أعلنت وزارة الزراعة موافقتها على السماح للمواطنين بإنشاء مزارع لتربية التماسيح، بعد استيفاء الشروط التي وضعتها الوزارة والحصول على ترخيص بذلك من الجهات المعنية.
وهو ما أكده أمس الدكتور محمد سالم، رئيس قطاع المحميات الطبيعية في وزارة البيئة، قائلا: “إنه لا يوجد أي حظر أو منع لاستيراد التماسيح من الخارج إلى مصر، أو تصديرها من الداخل للخارج”، وأن وزارة الزراعة، خاصة إدارة الحياة البرية هي المسئولة بشكل كامل عن عمليات استيراد أو تصدير التماسيح أو أي كائنات حية أخرى.
وأضاف أنه فيما يتعلق بالحيوانات المفترسة وعلى رأسها التماسيح، لابد من شهادة نسب توضح سلالة التمساح، إلى جانب تحديد عمره، وسلامته من الأمراض بشكل نهائي، وهذا بالنسبة للدول المصدرة، أما الدول المستوردة لابد من بيان سبب الاستيراد، وطبيعة البيئة التي سيعيش فيها التمساح.
وأوضح سالم أن اتفاقية “سايتس” تنص على أنه لتداول أي كائن حي بين الدول وبعضها لابد من استخراج شهادات من المصدر تتضمن بيانات تفصيلية وعلمية عن الحيوان، كما يشترط الحصول على موافقة سكرتارية الاتفاقية على التصدير.
أرقام واستثمارات
أرقام تجارة التماسيح في مصر وأرباحها توضح حجم الثروة الضخمة التي يجنيها الصيادون وسبب مخاطرتهم للعمل في هذه المهنة مع هذا الحيوان المفترس، وبحسب تصريحات لبعضهم، تصل قيمة التمساح الواحد في متوسطه إلى 10 آلاف جنيه حسب حجم ونوع التمساح.
كما تباع التماسيح الصغيرة التي لا يبلغ طولها 25 سم، لأهل محافظة أسوان، وتحديدا في القرى النوبية المعروفة عنها أنها مزارات للسائحين، فيتولى أهل هذه القرى تربية التماسيح لمدة سنوات، ويكون بمثابة وسيلة لجذب انتباه السائحين والتقاط الصور التذكارية معه.
وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن عدد من يعتبرون هذا المجال مصدر رزقهم الأساسي حوالي 30 إلى 40 ألف شخص، والمكسب أكثر من ألف دولار عن كل تمساح كبير الحجم، وذلك عن طريق بيع الجلود، بالإضافة إلى الحصول على أسنان التمساح وتصنيع العقود منها.
أرقام الربح الضخمة انتبهت لها الحكومة مؤخرا، وقررت الدخول في استثمار التماسيح، حيث أعلنت وزارة البيئة في 2016 بالتعاون مع القوات المسلحة، إنشاء أول مزرعة لتربية التماسيح في مصر بأسوان، على مساحة 50 فدانا، وتبعد عن بحيرة ناصر بحوالي 2 كيلو متر، وتضخ المياه إليها من البحيرة بواسطة آلات رفع.
أضف تعليق