مع حلول شهر رمضان تطفو على السطح بعض الخلافات الفقهية التي تنشب بين المواطنين، خصوصا المصلين في المساجد، وهي في معظمها خلافات فرعية قديمة ولكنها تتجدد كل عام، أبرزها موعد صلاة الفجر.
من مظاهر هذه الاختلافات في شهر رمضان مسألة القنوت في الصلاة، فالبعض يريد أن يقتصر القنوت على ركعة الوتر في صلاة التراويح، والبعض الآخر يريد أن يقنت في الوتر وفي صلاة الفجر.
موعد صلاة الفجر أيضا خلاف متجدد، يظهر بقوة خلال شهر رمضان من كل عام، ووصل إلى أروقة المحاكم وأصدرت بشأنه دار الإفتاء المصرية بيانا للرد والتوضيح.
الفجر في شهر رمضان
وفي أواخر شهر مارس الماضي، قررت محكمة القضاء الإداري، عدم قبول دعوى تطالب بإلزام الجهات المختصة بتغيير موعد صلاة الفجر.
وكان حسين أحمد مصطفى، إمام وخطيب مسجد الهداية في مدينة السادات بالمنوفية، تقدم بدعوى في 25 مارس 2017، تطالب بتغيير موعد صلاة الفجر الحالي.
وقدم المدعي في جلسة سابقة تقريرا صادرا عن المعهد القومي للبحوث الفلكية، يؤكد أن الموعد الحالي لصلاة الفجر بمصر يسبق الموعد الذي يستوجب أن يكون عليه بنحو نصف ساعة تقريبا، وهي المشكلة التي تثار أثناء السحور في شهر رمضان كل عام.
رأي الفلك
وفي تعليقه وقتها على الدعوى المرفوعة، قال عصام جودة، رئيس مجلس الجمعية المصرية لعلوم الفلك ESA: إن تحديد موعد صلاة الفجر سواء في شهر رمضان أو غيره من الشهور، قائم على شقين:
- الأول ديني شرعي، يرجع فيه لأهل الاختصاص.
- والثاني علمي، قائم على أننا حينما ننظر جهة الشرق قبل شروق الشمس في تمام عتمة الليل يبدأ ظهور ضوء أبيض خافت، وهذا لا يظهر إلا في الصحراء، بعيدا عن أي مصادر للتلوث، بما فيها التلوث الضوئي، وهو ضوء أبيض خافت يبدو على صفحة السماء السوداء المعتمة جهة الشرق، ويكون رأسيا لأعلى.
وأضاف جودة: أن العلم الحديث فسره على أنه انعكاس من ضوء الشمس على جريمات المجموعة الشمسية، لذلك يسمى “الضوء البروجي”، وهو الضوء الذي يظهر ثم يبدأ في الاختفاء، ويظهر بدلا منه ضوء أبيض عرضي ليس رأسيا، وهو ضوء الشفق الطبيعي قبل أن تتلون السماء باللون الأزرق.
ولفت رئيس مجلس الجمعية المصرية لعلوم الفلك، إلى أنه بمقارنة الجزء الشرعي بالجزء الفلكي، فإن العلماء اتفقوا على أن هذا الضوء الأبيض العرضي، هو الضوء الذي يقرر له صلاة الفجر، وأن الضوء الأبيض الذي يسبقه “البروجي” هو الفجر الكاذب.
بيان المفتي
من جانبه أصدر شوقي علام، مفتي الجمهورية، بيانا خلال شهر مايو من العام الماضي، وبالتزامن مع حلول شهر رمضان الماضي، قال فيه: إنه لا صحة على الإطلاق لتشكيك بعض الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية في صحة توقيت صلاة الفجر في شهر رمضان أو غيره من الشهور، بدعوى أن الأذان في مكة المكرمة يحين في بعض الأوقات بعد القاهرة.
وأوضح أن ما يثار من التشكيك في ذلك بدعوى أن توقيت صلاة الفجر في القاهرة يسبق أحيانا توقيتَه في مكة المكرمة، مع أن القاهرة تقع غرب مكة “ليس اعتراضا علميا، إذ من المقرر في علوم الفلك والجغرافيا أن تحديد المواقيت مبني على خطوط الطول ودوائر العرض معا، ولا استقلال لأحدهما عن الآخر في ذلك”.
وأضاف: “أن الحق الذي يجب المصير إليه والعمل عليه، ولا يجوز العدول عنه: هو أن توقيت صلاة الفجر المعمول به حاليا في مصر، وهو عند زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق الشرقي بمقدار 19.5°، هو التوقيت الصحيح قطعا، وأنه الذي جرى عليه العمل بالديار المصرية منذ القرون الإسلامية الأولى إلى يومنا هذا، وهو الذي استقر عليه عمل دار الإفتاء المصرية في كل عهودها.
القنوت في الوتر
من المعلوم أن القنوت هو الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام، وترى بعض المذاهب أن القنوت لا يكون إلا في صلاة الوتر، بينما يقول البعض إن القنوت يكون في صلاة الفجر في شهر رمضان.
وبسبب إثارة الخلاف حول هذه المسألة كل عام في شهر رمضان خصوصا بالمساجد، يؤكد العديد من علماء الأزهر الشريف أن القنوت في رمضان سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه جائز في صلاة الوتر، بينما يجوز القنوت في صلاة الفجر على مذهب الإمام الشافعي، ويمكن الأخذ بأحد المذهبين.
ويضيف الشيخ سعيد حسني، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، في تصريحات صحفية، أن القنوت يجوز في كل الصلوات المفروضة عند النوازل والمحن والبلاء، ليس في شهر رمضان فقط بل طوال العام.
وتابع قائلا: “ممكن تقنت طول السنة بس لازم تيجي تخالف ده يوم واحد، لأن من السنة مخالفة السنة حتى لا تصير فرضا، يعنى القنوت في الفجر سنة وفى الوتر سنة، بس أنا لو كل فجر وكل وتر قنت دا كده مبقاش سنة دا أصبح فرضا”.
وفي نفس السياق، أصدر اليوم الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، تعليمات مشددة للأئمة على مستوى الجمهورية، بضرورة الالتزام بالدعاء المأثور في صلاة التراويح.
أضف تعليق